مقالات

محمد داودية يكتب عن.. “لغز داعش؟!”

العالمُ كله مشغولٌ اليوم بهذا التنظيم الإرهابي وبالسؤالِ عن عرّابيه، وفي دوارق أية أجهزة استخبارات، تم تَخْليقه.

الأسئلةُ حول داعش متلاحقة، والأكثرُ من الأسئلة والاغربُ، هو ان الكثيرين لا يتواضعون فيسألون، بل يقدمون أجوبة باتعة قاطعة، لا أجوبة افتراضية، قابلة للحوار حولها، والكثير من تلك “التحليلات!” متعارضةٌ ومتضادةٌ كليا، ترُد المتابعَ والحريصَ على المعرفة الى المربع صفر.

1- هناك من يعتقد ان داعش صناعة إسرائيلية صهيونية، للهيمنة على المنطقة وتقسيم دولها واضعافها والسيطرة عليها واطلاق يديها في فلسطين ومقدساتها !.

2- هناك من يعتقد ان داعش صناعة أمريكية أوروبية غربية لتدمير الإسلام !.

3- هناك من يعتقد ان داعش صناعة إيرانية لتدمير السُّنّة ولتصدير المذهب والثورة !.

4- هناك من يعتقد ان داعش صناعة تركية للسيطرة على سوريا ونفط العراق والمنطقة وإقامة الامبراطورية العثمانية!.

5- هناك من يعتقد ان داعش صناعة سعودية قطرية خليجية لنشر المذهب الوهابي وللحفاظ على نمط الحياة المغرق في المحافظة !.

6- هناك من يعتقد ان داعش صناعتنا، صناعة الفكر والجهل، وتأويل التنزيل، بطريقة متخلفة متشددة تتميز بالغلو والتطرف.

لقد أصبحت داعش ماركة عالمية، غير مسجلة على قيد معلوم، نضطرب في ردها الى مُطْلقها وصائغها، بسبب غموض استنباتها، وسرعته التي اذهلت العالم وادمته.

أَمِيل الى الافتراض السادس، الذي يرد نشأة داعش الى عالمنا الإسلامي، الغارق في الفساد والاستبداد والجهل والتخلف والخرافة، الذي تديره زمرٌ من القيادات المستبدة الفاسدة، تعاونهم نخبٌ مزورةٌ خانت ناسَها، وأحزابٌ مرتشيةٌ داجنةٌ، واعلامٌ “تعموي” يرشُّ على الموت سكرا، وأَئمةٌ دجالون يلعبون بالبيضة والحجر، وقضاءٌ مرتشٍ حسب الطلب، ومناهجُ مغرقةٌ في الداعشية، وجامعاتٌ تقذف الى المجتمع مشكلاتٍ لا حلولا، ومنظماتُ مجتمعٍ مدني ديكورية، تُزَمّرُ حسب هوى الدافعين.

وكما انه ليس لديّ دليلٌ وحجةٌ مقنعة، فليس لدى أصحاب التفسيرات الخمسة أعلاه، ادلةٌ تسندهم وحججٌ تقنع الاخرين.

يوجد لدى الأطراف الستة وغيرهم، كشكولٌ واسعٌ من التكهنات والافتراضات التي تتراوح بين نظرية المؤامرة وبين الاستناد الى مذكرات او تصريحات، هنا وهناك، لكن لا توجد – بالطبع- حججٌ ولا ادلةٌ دامغة.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن تمويل تنظيم داعش يأتي من 40 دولة بينهم دول من مجموعة العشرين، وقد حصلت داعش على تمويلها الضخم من مصادر كثيرة، أبرزها ما استولت عليها من أموال ومن بيع النفط والغاز وبيع مقتنيات المتاحف وتجارة الرقيق والضرائب وخاوات الترانزيت وفِدى الرهائن وتبرعات اثرياء المسلمين وصدقات الذين يعتقدون ان داعش دولة خلافة إسلامية. وقد كانت تركيا الدولة الأبرز التي مكنت الإرهابيين والأسلحة والأموال والمعدات من المرور الى سوريا والى داعش بالنتيجة.

وأمَيل الى تفسير ان داعش ليست تحت سيطرة اية دولة، وأنها إطار يلتحق به مَن تستهويه فكرة الانتماء الى جماعة تتميز بالقوة والسيطرة، ومَنْ ضللته الفئةُ الضالة الباغية التي تعده بالخلافة، ومَن تستهويه فكرةُ المغامرة بحدودها القصوى.

لا يجرؤ أي جهاز استخبارات، لأية دولة في العالم، على القيام بما قامت به داعش، مثل ضرب قلب العاصمة الفرنسية باريس وفاجعة تفجير الطائرة الروسية وجريمة تفجير بيروت … الخ. لا توجد دولة في العالم تتحمل رد فعل فرنسا والعالم معها على ضربها الموجع في مواطنيها وفي كرامتها وسيادتها الوطنية، ولا توجد دولة في العالم تجرؤ على استفزاز روسيا والاقتراب من هذا القيصر “القبضاي” بوتين، والعالم معه، بهذه الطريقة التي تجعله وحشا كاسرا، وتدفعه الى تجريد الجيوش والاساطيل والقاذفات بعيدة المدى.

ان الاستدلال بتجربة أسامة بن لادن، تسجل لصالح الرأي الذي يقول، إنك قد ترعى منظمة وتربربها وتطلقها، فترتد عليك، كما فعلت “القاعدة” التي اسستها ورعتها المخابرات المركزية الامريكية ودول الخليج العربي وانتهت الى ضرب اميركا في رموزها الشاهقة والسيادية والى العديد من التفجيرات في الدول التي بعثتها.

ومعلوم ان “مجلس شورى المجاهدين في العراق” (تأسس في 15 كانون الثاني 2006 )  الذي هو تجمّع لعدد من الجماعات المسلحة، كان النواة الاصلب والاكبر، التي توكأت عليه داعش لدى تأسيسها، قد حل نفسه، لصالح “دولة العراق الإسلامية” في منتصف تشرين الاول عام 2006.

واحيلكم الى شريط فيديو تحدث فيه القيادي البارز في حزب البعث العربي الاشتراكي عزت إبراهيم الدوري، يشيد فيه بوضوح ب “تنظيم الدولة الإسلامية” بتاريخ 12 تموز 2014 أي بعد اعلان الخلافة الإسلامية (29 حزيران 2014) بأسبوعين.

 كما احيلكم الى تصريحات الفريق الركن سيف الدين الراوي، رئيس اركان قيادة الحرس الجمهوري، الذي افصح، غداة الإعلان عن تأسيس داعش – نشأت في العراق- عن ان الجيش العراقي المنحل، بخبراته ومخابراته وخبرائه، وبجراح كرامته وهزيمته، على يدي الغزو الأمريكي، والعراقيين عملاء ايران والسي آي ايه، يشكل نحو 70% من هذا التنظيم، وقد علقْتُ حينذاك على صفحتي بالفيسبوك، ان التيار الاصولي سيحتوي التيار العلماني وسيسيطر عليه، كما جرت العادة في كل التجارب، واقربها، عندما تحالف ضد شاة ايران، العلمانيون مع آية الله الخميني وملاليه، الذين انقضوا على حلفائهم ومزقوهم، واشادوا “جمهورية ايران الإسلامية”.

 وكما نشأ هذا التنظيم في العراق، فالمرجح أن تكون الموصل العراقية مقبرته والمرجح ان ذلك لن يتعدى ذلك ربيع العام القادم.

لا احد منا يملك الشيفرة التي تفك لغز تخليق داعش وصناعتها وصياغتها، لكن المؤكد هو ان هذا التنظيم الإرهابي المقزز البشع، ذاهب الى التفكك وآيل الى الافول خاصة بعد تشكل “الجبهة العالمية” ضده والمعززة بقرار مجلس الامن الدولي الذي يوفر لها غطاء أخلاقيا وقانونيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى