العمرة السياسية.. إرث سعودي ساهم في تقريب وجهات النظر بين أصحاب الخصومات على مدى عقود
يوليو 2, 2016
0
يعمد قادة المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك الراحل، فهد بن عبد العزيز آل سعود، إلى إحياء سنة للنبي عليه الصلاة والسلام، لا يمكن -بطبيعة الحال- لأحد غيرهم إحياؤها، وهي استقبال الوفود في الحج والعمرة،وتكرسيها لمعاني الصلح والتسامح وتعزيز العلاقات وتوطيدها.وتتحول مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من رمضانإلى وجهة دينية وسياسية يقصدها المسلمون من جميعأصقاع الأرض لأداء العمرة والاعتكاف، حيث يعدها الساسةوالقادة فرصة لأداء العمرة، إلى جانب لقاء العاهلالسعودي.وكان النبي عليه الصلاة والسلام قبل فتح مكة، حيثلم يشتد عود الإسلام بعد، يتحيّن فرصة الحجوالعمرة للقاء الوفود، ودعوتهم إلى الإسلام، ويبدو أن التقليد السعودي يقتبس هذه السُنّة للقاء قيادات وزعماء من دول العالم الإسلامي؛ لترطيب الأجواء، وخلق جوّ من الألفة والتصالح.ويعد بعض القادة والساسة زيارة السعودية فرصةً لأداء العمرة، إلى جانب إجراء مباحثات مع العاهل السعودي،الذي يحرص على قضاء العشر الأواخر من رمضان في مكة المكرمة.
ويُطلق مراقبون على العمرة التي تعقد على هامش المباحثات السياسية مصطلح “عمرة سياسية”، في إشارةإلى أنها تؤدى قبيل أو بعد مباحثات سياسية، فيما يطلقون على المباحثات التي تعقد في تلك الفترة “دبلوماسيةالعشر الأواخر”.
وخلال اليومين الماضيين، أدى قادة ورؤساء ووزراء عدد من دول العالم الإسلامي مناسك العمرة، على رأسهم رئيس باكستان، ممنون حسين، وعلي بونغو أونديمبا رئيس الغابون، والرئيس السوداني، عمر حسن البشير، وعثمان غزالي،رئيس جمهورية القمر المتحدة، ورئيس وزراء الصومال، عمر عبد الرشيد علي شرماكي، والشيخ عبد الله بن ناصر بنخليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري.
وفي أعقاب أدائهم العمرة، قالت وكالة الأنباء السعودية إن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز،استقبل في قصر الصفا بمكة المكرمة رئيس السودان، ورئيس وزراء قطر، ورئيس مجلس الأمة بدولة الكويت،مرزوق بن علي الغانم، وقد تناول الجميع طعام الإفطار مع خادم الحرمين الشريفين.
وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، إن خادم الحرمين بحث مع آل ثاني العلاقات الأخوية القائمة بين البلدين الشقيقين.كما بحث الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، مع رئيس الوزراء القطري العلاقاتالثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في المجالات كافة، إضافة إلى آخر تطورات الأوضاع على الساحاتالعربية والإقليمية والدولية.ووصل العاهل السعودي إلى مكة، يوم السبت الماضي 25 يونيو/حزيران؛ لقضاء العشر الأواخر من شهر رمضانبجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
– الملك فهد سن سنتهاوأول من سن هذه العادة في هذا التوقيت هو الملك فهد بن عبد العزيز، واستمر على نهجه الملك عبد الله، الذي دعا إلى أشهر قمة استثنائية في العشر الأواخر من رمضان خلال عام 2012؛ بهدف مناقشة المواضيعوالمشاكل التي تعاني منها الدول الإسلامية.وشهدت مكة المكرمة على مر العصور مؤتمرات تسعى إلى الإصلاح، آملين من قدسية المكان أن تحل البركة ويعم الرخاء، وتُحل المشاكل والأزمات.وأقام الراحل الملك عبد العزيز مؤتمراً للقادة المسلمين عقب توحيد السعودية، وتبعه الملكان فيصل وسعود، اللذان أمّا المصلين في مكة المكرمة على فترات متفاوتة.كما عقد الملك خالد في ساحة الحرم قمته الإسلامية الشهيرة، إلى أن جاء العاهل السعودي فهد بن عبد العزيزباتباع قضاء الأيام العشرة الأخيرة من رمضان في مكة المكرمة، واستقبال رؤساء الدول الإسلامية لدراسة القضاياالعالقة.- ثمار دبلوماسية العشر الأواخرولعل أبرز نتائج دبلوماسية العشر الأواخر هو إعلان “ميثاق مكة المكرمة لتعزيز التضامن الإسلامي”، الذي صدر فيختام “قمة التضامن الإسلامي” الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة يومي 14 و15 أغسطس/آب 2012،بمشاركة ملوك ورؤساء 57 دولة إسلامية أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.وهي القمة التي قررت تعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، وجميع الأجهزة والمؤسسات المتخصصةالتابعة لها؛ بسبب حملة القمع العنيفة التي يشنها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري.ومن أبرز نتائج دبلوماسية العشر الأواخر أيضاً توقيع معاهدة الصلح بين أطراف القيادات العراقية (سنة وشيعة) فيأكتوبر 2006، في لقاء تركز على محاولة جمع شتات هذه القيادات لتوحيد الصف ونبذ الخلافات الطائفية والسياسية.– قصر الصفا لتصفية الأجواءويبقى قصر الصفا الذي يتميّز بإطلالته المميزة على الحرم المكي والشريف والكعبة المشرفة، حيث اعتاد ملوك السعودية المتعاقبون قضاء العشر الأواخر من رمضان فيه، هو المكان الذي تتوّج فيه نتائج المحادثات في أجواء العشر الأواخر الإيمانية.فالموقع الاستراتيجي لقصر الصفا، ومجاورته للمسجد الحرام، جعل له مكانة هامة، حيث شهد الكثير من القرارات المحورية والتاريخية التي صبت في خدمة القضايا المحورية في المنطقة، وعمليات الإصلاح بين الفرقاء في مختلف الدول الإسلامية.والقصر الملكي الذي أمر الملك خالد بن عبد العزيز ببنائه، يتوسد جبل أبي قبيس، الذي عج بالكثير من الأحداث التاريخية في مراحل الأمة الإسلامية والعربية منذ أمد بعيد وقريب، حيث شهدت منطقة أجياد التاريخية التي تطل بجانب جبل أبي قبيس معتركاً للمعاهدات التاريخية والاستراتيجية.