الميليشيات الشيعية في العراق أصبحت خطرًا كبيرًا معادلًا لخطر داعش
الرجال المسلحون الذين يتباهون بحمل الرؤوس المقطوعة، المجازر بحق رواد المساجد خلال صلاة الجمعة، والاعتماد الهائل على الجهاديين القادمين من الخارج، هي الجرائم التي ترتبط عادةً بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
لكن، ورغم ذلك، هذه هي أيضًا التصرفات التي تقوم بها بعض الميليشيات الشيعية المتنامية في العراق، والتي تلعب دورًا متزايد الأهمية في مقاتلة الجهاديين السُّنة. هذه الجماعات، وكثير منها لديه روابط أيديولوجية وتنظيمية عميقة مع إيران، جرفت ما تبقى من فكرة وجود سلطة للحكومة في بغداد، وهي تمثل تحديًا كبيرًا لهدف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المعلن بالعمل مع حكومة عراقية شاملة لإقصاء داعش.
وهناك أكثر من 50 من الميليشيات الشيعية التي تقوم بالتجنيد والقتال في العراق الآن. وهذه الجماعات تقوم بعمليات التجنيد بنشاط ، حيث تأخذ الرجال بعيدًا عن الجيش والشرطة العراقية، وتوظفهم كمقاتلين في منظمات طائفية للغاية أيديولوجيًا، ومعادية للولايات المتحدة بشكل متطرف. ومعظم هؤلاء المجندين لا يتم استخدامهم ببساطة في إبعاد الجهاديين السنة، ولكن، وفي كثير من الحالات، في تشكيل الحرس الخلفي المستخدم للسيطرة على المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة بغداد.
وجعلت هذه الميليشيات الشيعية من نفسها جزءًا لا يتجزّأ من هياكل الحكومة العراقية، وبالتالي أصبحت هذه الحكومة تعتمد على قوة هذه الميليشيات إلى الدرجة التي لا تستطيع معها حتى التفكير في تضييق الخناق عليها.
الحكومة والميليشيات الشيعية معًا ارتكبوا انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان: في مطلع يونيو، ورد أن الميليشيات الشيعية، جنبًا إلى جنب مع قوات الأمن العراقية، قامت بإعدام حوالي 255 سجينًا، بينهم أطفال. ويظهر تقرير لمنظمة العفو الدولية من يونيو، كيف قامت الميليشيات الشيعية بانتظام بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وذكرت المنظمة أن عشرات من السجناء السنة تم قتلهم داخل المباني الحكومية.
ولعبت الميليشيات الشيعية أيضًا دورًا رئيسًا في تحرير البلدة التركمانية الشيعية المحاصرة، أمرلي. كتائب حزب الله، وهي جماعة إرهابية وفقًا لتصنيف الولايات المتحدة، وتعمل كوكيل مباشر لإيران، قامت حتى باستخدام مروحيات الحكومة العراقية في عمليات تسليم الأسلحة والإمدادات الأخرى أثناء المعركة.
وتمامًا كما استولى تنظيم “الدولة الإسلامية” واستخدم المركبات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى الحكومة العراقية، قامت هذه الحكومة باستخدام دبابات M1A1 أبرامز أمريكية الصنع والمقدمة لها في دعم عمل الميليشيات الشيعية العراقية الطائفية، وفي دعم عمليات كتائب حزب الله.
وقد قادت إيران الطريق لتطوير الميليشيات الشيعية في العراق. منذ مايو عام 2013، عززت طهران شبكتها من الجماعات الجديدة والقديمة الموالية لها في العراق لتوفير تدفق مستمر من المقاتلين إلى سوريا. وبعض هذه القوات العراقية، التي كانت تقاتل نيابةً عن نظام الرئيس بشار الأسد، تم إعادتها إلى العراق لتشكيل نواة لميليشيات شيعية جديدة تقاتل حاليًا السنة من أعداء الحكومة في بغداد.
وبفضل جهود التجنيد الإيرانية التي ركزت على سوريا، كان وكلاء طهران أيضًا قادرين على تجنيد مقاتلين جدد من أجل الجبهة العراقية أيضًا، وفي أبريل، دعت الجماعات التي تدعمها إيران، مثل كتائب حزب الله، بدر، وعصائب أهل الحق، المجندين الجدد إلى القتال في العراق. وفي النهاية، أدت هذه الدعوات إلى نشوء ميليشيات شيعية عراقية جديدة.
وفي حين أن إنشاء العديد من المجموعات قد يبدو أمرًا معقدًا من دون فائدة، إلى أنه يساعد فعلًا في خلق صورة ذهنية تؤكد وجود دعم شعبي واسع النطاق للميليشيات التي تعمل على تعزيز سياسات وأيدولوجيات إيران.
وعلاوةً على ذلك، فإنه يسمح للمجموعات المنشأة حديثًا بفصل المتطوعين ممن لا يملكون الخبرة عن المقاتلين البارعين بطريقة أكثر سهولة. وعلى سبيل المثال، أعلنت كتائب حزب الله، وهي ميليشيا تشكلت بمساعدة من حزب الله اللبناني في 2007، مؤخرًا عن إنشاء شركات الدفاع الشعبي. وقد تمّ إنشاء المجموعة الجديدة لأخذ المتطوعين الشيعة العراقيين الجدد تحت إدارة كتائب حزب الله.
وأما منظمة بدر، وهي جماعة مسلحة تتكون من آلاف المقاتلين وأحد عملاء إيران الأساسيين في العراق، فهي دعامة أخرى لجهود طهران في تطوير الميليشيات الشيعية. وخلال حرب العراق، ومن خلال سيطرتها على المكاتب الحكومية، شغلت المجموعة عددًا من فرق الموت الطائفية. كما شاركت بدر في القتال في سوريا، وأنشأت “قوات الشهيد باقر الصدر” خصيصًا من أجل هذا الغرض. ولكن أكبر تأثير لمنظمة بدر ما زال في بغداد.
نفوذ الجماعة يمتد في عمق قوى الأمن الداخلي في العراق، حيث يقال بأنها تقوم مباشرةً بإدارة العديد من أفراد الشرطة ومجموعات العمليات الخاصة هناك. ولدى بدر أيضًا تأثير كبير في المجال السياسي، حيث حصلت على مناصب رئيسة في الحكومة العراقية، وهي جزء رئيس من تحالف القانون الذي يضم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وهذا الأخير يريد حتى أن يعين قائدها، هادي العامري، كوزير داخلية البلاد.
وقد انتشر رجال ميليشيات بدر في صفوف كوكبة من الميليشيات الأخرى الوكيلة لإيران في العراق. حيث إنّ من خريجي بدر الذين يعملون اليوم مع الميليشيات الأخرى كل مَن زعيم كتائب حزب الله، جمال الإبراهيمي؛ زعيم إحدى الميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا وتسمى وحدة الخراساني، علي الياسري؛ وزعيم جيش المختار، وهي مجموعة شديدة الطائفية، واثق البطاط.
وتوغل بعض مقاتلي ميليشيات بدر السابقين أيضًا بعمق داخل القيادة السياسية في العراق وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ منها، ومنهم الشيخ عدنان شاهماني، وهو عضو البرلمان العراقي، وعضو في اللجنة الوطنية للدفاع في البرلمان. وأحد مقاتلي بدر كذلك، وفي وقت مبكر من سبتمبر 2013، كان شاهماني قد دعا الميليشيات الطائفية لحماية الشيعة الذين يعيشون في المناطق السنية.
وعمل وكلاء إيران الأكثر نفوذًا في العراق معًا بشكل وثيق لدعم نظام الأسد في دمشق. كتائب حزب الله وميليشيات بدر شكلتا كتائب سيد الشهداء، أو KSS، في أوائل عام 2013 للقتال في سوريا. ويقود KSS جزئيًا أبو مصطفى الشيباني، وهو قائد تابع لكل من ميليشيات بدر والحرس الثوري الإسلامي الإيراني “قوة القدس” في نفس الوقت. ويقال بأن الأمين العام للمجموعة، وهو مصطفى الخزعلي، قد أصيب خلال القتال في ضواحي دمشق.
والآن، يعود هؤلاء القادة الذين حاربوا في سوريا إلى المنزل للعب دور سياسي وعسكري في النضال من أجل العراق. فاز الخزعلي بمقعد في البرلمان خلال الانتخابات البرلمانية العراقية في أبريل/ نيسان، وذلك عندما بدأت جماعته بلعب دور الحزب السياسي، وشارك في الانتخابات في مدينة البصرة كمرشح في القائمة الانتخابية لتحالف “دولة القانون”.
ويشارك قادة KSS أيضًا في القتال ضد أعدائهم المحليين، حيث قتل أبو مجاهد المالكي، وهو من قدامى المحاربين في KSS ومدير حملة الخزعلي في سوريا، أثناء القتال في العراق في أغسطس/ آب.
وشكلت عصائب أهل الحق وكيلًا أخر كبيرًا لإيران في العراق. بدأت المجموعة خلال حرب العراق على أنها ميليشيا مدعومة من إيران ومنشقة عن جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وسرعان ما نمت كمجموعة قتالية هائلة.
خلال الحرب، حصلت أهل الحق على درجة من العار لقيامها بعمليات الخطف والإعدام للمتعاقدين البريطانيين والجنود الأمريكيين. وقد أرسل التنظيم العديد من المقاتلين إلى سوريا، وفي بداية 2014، بدأ بالانتشار في محافظة الأنبار المضطربة في العراق لمحاربة أعداء الحكومة من السنة.
المصدر تقارير
ويساعد نمو هذه الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، وغيرها الكثير، على إظهار أهداف إيران في تحقيق هيمنة الشيعة على العراق. هذه المجموعات لا تستفيد فقط من رعاية إيران وقدراتها التنظيمية، بل إنها كلها تسير أيضًا وفقًا للخط الأيديولوجي لطهران. إنهم موالون للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، ولأيديولوجية إيران بولاية الفقيه المطلقة، والتي تمنح المرشد الأعلى السلطة السياسية والدينية في نهاية المطاف. كما إنهم يتبعون نموذج وكيل إيران اللبناني، حزب الله، وعازمون على تنفيذ إرادة إيران في المنطقة، وتعزيز مكتسبات “الثورة الإسلامية” الإيرانية.
وكما تهدف “الدولة الإسلامية” بشكل معلن إلى محو الحدود التي تم رسمها في الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، شاركت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران أيضًا في هذه العملية. التلقيح المتبادل بين الميليشيات الشيعية السورية والعراقية قد أدى إلى تآكل الحدود الوطنية، تمامًا كما فعلت الحملة الجهادية السنية.
حيث إنه، ومنذ بداية مشاركتها في كل الصراعات الإقليمية، اعتمدت الميليشيات الشيعية على السرد القائل بأنها “تدافع عن المقدسات” أو “تدافع عن الشيعة”، بغضّ النظر عن الموقع الجغرافي لهذه المقدسات أو أبناء المذهب.
وقد لعبت أقدم وأبرز الميليشيات الشيعية المؤلفة من مقاتلين أجانب في دمشق، وهي ميليشيا لواء أبي الفضل العباس، أو LAFA، دورًا رئيسًا في تعزيز فكرة أن هذه الحرب هي حرب طائفية. وفي آب/ أغسطس، أعلنت المنظمة الموالية لإيران عن بدء عملها في العراق، وادعت بأنها تنتشر إلى الجنوب من بغداد، وربما قرب بلدة أمرلي. وفي كثير من الأحيان، كانت فروع هذه الميليشيا ضبابية حول أيديولوجيتها، ولكن صلاتها بوكلاء إيران توحي بالتأكيد بأن لطهران نفوذ قوي عليها. ورغم أن لدى إيران صلات واسعة مع معظم، إن لم يكن كل، المليشيات الشيعية في العراق، إلّا أن العناصر الشيعية العراقية التي لا تشترك مع أيديولوجية إيران المطلقة قد استثمرت أيضًا في مجموعاتها الخاصة.
سرايا السلام، أو “لواء السلام”، التابع لمقتدى الصدر، تأسست فى يونيو هذا العام، وفي نفس الوقت تقريبًا الذي أصدر فيه آية الله العظمى علي السيستاني فتوى تدعو إلى الجهاد ضد “الدولة الإسلامية”. فتوى السيستاني، مع ذلك، أوضحت أن على العراقيين أن ينضموا إلى الجيش العراقي. وفي حين أن المقاتلين في لواء الصدر الجديد ليس لديهم ولاء للسيستاني، إلا أنه، ومع القدرة على الاعتماد على عشرات الآلاف من أنصار التيار الصدري، فإن سرايا السلام بالتأكيد لن تفتقر إلى المقاتلين.
وعندما تم تشكيل سرايا السلام في البداية، دعاها الصدر من أجل أن تشارك بشكل رئيس في الإجراءات الدفاعية. ورغم ذلك، استثمرت المجموعة بشكل أكبر في العمليات الهجومية خلال الشهر الماضي. واليوم، انتشرت عمليات المجموعة في جميع أنحاء العراق، من مدينة سامراء، إلى قرية أمرلي التي تحررت مؤخرًا، إلى مدينة جرف الصخر، لديالى في الشرق. وأرقام سرايا السلام الكبيرة تتزايد اليوم بنشاط من خلال الصراع، ولأن الجماعة كانت جزءًا من جيش المهدي في السابق، فإن هذا يقترح أنها قد تعود للانخراط في عمليات القتل الجماعي الطائفية.
والميليشيات الشيعية العراقية تسير أيضًا على مسار تصادمي مع المجتمع الكردي، وهو حليف الولايات المتحدة الرئيس في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”. حركة النجباء، وكتائب حزب الله اتهمتا رئيس كردستان، مسعود البرزاني، بالتنسيق مع أبرز البعثيين السابقين، وأصدرتا تحذيرات صارمة ضد أي تحركات كردية في كركوك. وذهب المتحدث باسم الحركتين أبعد من ذلك، للقول إن “صواريخ المقاومة الإسلامية سوف تضرب أربيل” إذا واصل بارزاني “التنسيق” مع الجهاديين.
وتنامي قوة هذه الميليشيات هو علامة على أنه، ورغم إزالة المالكي كرئيس للوزراء، لا تزال الحكومة العراقية تدين بالفضل لقوات طائفية عميقة. هذه الميليشيات حافظت عمومًا على استقلالية في العمل من بغداد، وقامت حتى باستغلال النظام الديمقراطي الناشئ في البلاد، وسيطرتها على الجهات الرسمية، في كسب التأييد لها. هذه الميليشيات ليست مجرد إضافة إلى الدولة، هي الدولة، وهي لا تعطي اعتبارًا لأي سلطة في بغداد، ولكن فقط لزعمائها الدينيين أو لطهران.
هذه الفصائل المسلحة سوف تكون أيضًا مؤثرة بشكل كبير في تشكيل مستقبل الطائفة الشيعية في العراق. أيديولوجيتها المتطرفة، وعلاقاتها التنظيمية، تشير إلى أنها سوف تسمح لإيران بامتلاك نفوذًا أكبر في العراق من أي وقت مضى. وإذا لم تتخذ واشنطن خطوات الآن لإيقاف نمو هذه الميليشيات، فإنها قد تكتشف بعد فوات الأوان أنها قد تنازلت فعليًا عن بغداد لطهران، وأنه لم يعد هناك من طريق للعودة إلى الوراء.