بكاء الرحيل ..
بقلم نويفعة الصحفي
لحظات مرت كان الصمت فيها أعلى صوتاً وأكثر فصاحة من الكلام، ثم تلتها أيام أظهر فيها المشهد والحرف والصورة صدقًا لا يجارى، ولغة الحزن سادت المكان والزمان وما زالت منذ أن تفاجأ الجميع بفقدان الوطن لأبرز أركان التعليم وقياداته المؤثرة والفاعلة الأستاذ عبدالله بن أحمد الثقفي مدير التعليم بمكة وجدة والمغفور له بإذن الله ..
نعم لقد فقدنا مسؤولاً رصيناً وقائداً وطنياً ورجلَ دولةٍ من الطراز الرفيع، له بصماته التي لا تنسى في مجال التربية والتعليم فقد كان التعليم ورقيه همه وشغله الأول رحمه الله وغفر له بإذنه تعالى ..
هذا القائد الفذ لست بمن يستطيع الحديث عن تفاصيل عطاءاته للوطن مع أننا ننتمي للتعليم وعملنا تحت قيادته إلا أنني أقف معكم وبكل أسى وحزن على غيابه عنا -ولا اعتراض على قدر الله المحتوم-، وماذا عسانا أن نقول ونحن لا زلنا نعيش ألم الفاجعة إلا أنني أقف وبكل أمانة وأقول: هذه الشخصية هي القيادة الحقة فقد تمثلت في حياته رحمه الله وسيرته وحب الناس له والحديث هنا يكاد يكون أكبر مني واللغة تصبح ركيكة والحروف تتباكى أمام عطاءات هذا الإنسان وجمال سيرته، فهي ما بين صمت وهو أبلغ من حروف تخشى أن تتمادى في تمجيده ..
فكم من عطاءات رسم معالمها وشيّد صرحها وتابعها وأشرف عليها بعلمه وفكره وبحكمته المتزنة وبسواعد من عملوا معه وكان لهم نعم الموجه الناصح، ونعم القائد .. نجاحات تتلوها نجاحات وتقدير يتلوه تقدير وحب ووفاء ملأ الزمان والمكان وأحبه من كان معه ومن عمل تحت قيادته نعم الرجل ونعم القائد.
نعم لقد غاب عن دنيانا ولله حكمته في أن يغير الحال من السرور إلى الحزن ومن الحياة الى الممات .. ويبقى الأثر .. نعم الأثر .. هذا الرجل حسن السيرة والسريرة فقد أحبه الناس وأجمعوا على حبه وتقديره في حياته وبعد مماته .. ولا غرابه، فعندما تحمل حب الغير فاعلم أنك وإن سكنت الدار وإن غبت عن الأنظار و إن أحاطت بك الجدران، فأثرك حتماً سيصل وسيبقى وستحمد سيرتك .. فقد صنع هذا الإنسان تاريخـــــاً في خدمة وبناء وطنه باقتدار ممسكاً بايدي رفاقه ورسم منهجاً عمل به وما إن التقى إدارة تعليم مكة ورجالها حتى قالها لهم وبكل صراحة وبقيت بعده نهجاً يجب أن يستحضرها كل من أوكلت له أمانة القيادة، فقد قال بالحرف الواحد: (ما أوكد عليه هي مراقبة الله والإحسان فيه، يتغنون بالجودة، الجودة هي الإحسان، فعلينا أن نعمل بإحسان فمن يعمل بإحسان سوف يعينه الله عز وجل ويصل إلى ما يصل وبحول الله نعمل باتجاه واحد، ولكم علي أن لا أعمل عملاً إلا وآخذ رأي الفريق، ولكم علي أمام الله ألا أظلم أحداً، ولا أتعمد الإضرار بأحد، ولكم علي أن أعمل ضمن قنوات العمل وهيكلة العمل الواحد).
واليوم وبعد أن غطاه الثرى، انبثق عطر الشذى والمحبة له وما عين إلا وبكت عليه .. فقد أظهر الجميع من طلاب ومعلمين وزملاء وزميلات بل وأولياء أمور وأصبحنا نشاهد من المواقف الإنسانية والتعليمية والتحفيزية والرعاية والاهتمام المنقطع النظير، كان رحمه الله يوليها الجميع على حدٍ سواء ..
رحم الله نفساً سامية. ..
نعم “ليس سهلاً أبداً أن تكون قائداً، القيادة امتلاك لقلوب الأتباع، القيادة تحريك لكوامن النفوس وطاقاتها، القيادة أن تشعر الغير بالأمان الوظيفي مراعياً لضوابط العمل ومصالح الغير، القيادة سمو وتأثير وإنجاز، القيادة تاريخ وسيرة منظمة، القيادة أثر في النفوس وحب وتأثير، القيادة أن تعمل وأنت مؤمن باختلاف الطباع والنفسيات ومدرك لدورك مع الجميع، كل ذلك كانت على رحابة صدر من الأستاذ عبدالله الثقفي حتى تسيّد قلوب الجميع وأثنى عليه من عرفه ومن لم يعرفه، فلن تجتمع القلوب إلا صدقاً.
إنّ العظيمَ وإنْ توسدَ تحتَ الثرى
يبقى على مرِ العصـورِ عظيمـاً
رحم الله فقيد الوطن وغفر له، وأسكنه فسيح جناته..