بالصور..”قراءة النص 16″ يختتم جلساته بمناقشة تداخل الأجناس الأدبية في النصوص الإبداعية
جدة- ماهر عبد الوهاب وعبدالله الينبعاوي
تواصلت امس الخميس، ولليوم الثالث، فعاليات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16، الذي ينظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة، تحت عنوان “تحولات الخطاب الأدبي السعودي في الألفية الثالثة”، حيث عقدت صباح اليوم الجلسة الخامسة بفندق الدار البيضاء جراند،
وأدارتها الدكتورة
هدى البطاطي
، وشهدت طرح بحوث، شارك فيها الدكتور عامر الحلواني بورقة تناولت “الرواية السعودية بين التقنيات السينمائية وسلطة المتخيّل”، أجرى من خلالها مقاربة تأويلية للرواية السعودية في ضوء التقنيات السينمائية وسلطة المتخيّل، محاولاً إبراز مظهر مهم من مظاهر تطوّر التجربة الروائية السعودية ووجها رئيسا من وجوه التحوّل في الخطاب الروائي السعودي في مستوى الأنواع والتقنيات، بحيث تتداخل الفنون، وتتفاعل آليات صناعة النص السردي مع تقنيات العمل السينمائي من سيناريو وتصوير ومونتاج وإخراج، للسموّ بدرجة الإمتاع والإثارة والإقناع. مشيرًا في هذا السياق إلى “أنّ الباحث في هذه الإشكالية لابدّ أن يكون له وعي شديد بأنّ لبحثه انتظارات منهجية لابدّ أن يحدّدها، وعلمًا لابدّ أن يعمل في نطاقه، ومنهجا يجب أن يسير على هديه، وجهازا مصطلحيّا دقيقا يمثّل مسلكا أوّل يترسّمه في بحثه حرصا على البناء المعرفي السليم، مع وعينا الشديد”.
وفي ورقته “خطاب الرحلة السعودي الجديد بين مأزق السياق وتجليات الشفرة”، طرح الدكتور عبدالله أحمد حامد جملة من الأسئلة، في سياق بحثه حول مساءلة الخطاب الرحلي السعودي المنشور بعد دخول الألفية الثالثة عن ملامح التجديد، وآفاق التغيرات، مقارنة بما سجله هذا الأدب قبل هذه المرحلة.. ومن بين هذه الأسئلة: هل كان هذا الخطاب الرحلي مرتهنا للنموذج السابق في تشكله الفني؟ أم حدثت تحولات على هذا الخطاب، وماسماتها إن وجدت؟ ليمضي في الإجابة عنها من خلال استحضار نماذج من المدونة الرحلية الجديدة، ومقارنتها بالمدونة السابقة لهذا التاريخ، منطلقًا منهجيًا من «نظرية التواصل» «لرومان ياكبسون» وفق عنصري «السياق والشفرة».
ثالث بحوث الجلسة الخامسة قدمه الدكتور عبدالحميد الحسامي، تحت عنوان “خطاب السيرة الذاتية بين المكاشفة والتقنع”، مقدمًا عبره قراءة في (سيرة الوقت: حياة فرد – حكاية جيل) لمعجب الزهراني، مقررًا في المستهل أن “السيرة الذاتية تعد جنسًا أدبيًا ينهض على المكاشفة والبوح والاعتراف بتفاصيل حياتية تستدعيها الذاكرة؛ ولأن كاتب السيرة الذاتية لا يكتبها إلا في مرحلة متأخرة من حياته يشعر فيها أن سيرته في الحياة قد آن لها أن تمثل تجربة مكتملة من حقها أن تقرأ، وأن يتم تمثلها من قبل المتلقين، ومشاركة الآخرين له فيها؛ لأنها كذلك فإن حياة الكاتب لم تعد تلك الحياة التي عاشها كما هي، بل يتداخل فيها الواقع بالمتخيل، والشخص الذي كان، بالشخص الذي أصبح، والفردي بالاجتماعي…كما تتداخل فيها المكاشفة بالتقنع”. مشيرًا إلى أن (سيرة الوقت) لكاتبها د. معجب الزهراني تستدعي تفاصيل حياتية مثيرة وكثيرة، تمتد في مسارها منذ الطفولة، وحتى مراحل متقدمة من عمره، وتكاشف القارئ بمعلومات ومواقف تمثل (خصوصيات) دقيقة، كانت حبيسة في أغوار ذاته.
إشكالية التجنيس
وقدمت الدكتور سميرة بنت ضيف الله الزهراني دراسة بنيوية تكوينية لكتاب “40 في معنى أن أكبر”، لليلى الجهني، وذلك في ورقتها التي عنونتها بـ”السيرة الذاتية وإشكالية التجنيس”، مرتئية في البداية أنه “من المبكر أن تذهب الدراسات النقدية في اتجاه القول بنقاء جنس السيرة الذاتية، الأمر الذي من شأنه أن تبقى إشكالية التجنيس في ذلك الفن محل نظر واهتمام الدارسين، كما يبدو من المبكر الادعاء التام بتلاشي تعالقه مع غيره من الأجناس الأدبية القريبة منه، وقدرته على الوفاء بمقومات ذلك الفن السيري. ويزداد الأمر تعقيدا حين تطالعنا تلك المقولات التنظيرية التي أسست لذلك الجنس، والتي تشي بتباينات لا يمكن الجزم من خلال ما طرحته من وجهات نظر مختلفة، أن نخرج بصورة موحدة، لمقومات الجنس السيري، وإن كنا نعتقد أن هذا الفن استطاع عبر حقب زمنية مختلفة أن يشق طريقه للاستقلال، دون أن نصف ذلك الاستقلال بالتام”.
وقدمت الدكتورة فايزة أحمد الحربي في ورقتها “مقاربة إنثربولوجية للنص الشعري عند أحمد الصالح”، مشيرة إلى أن النص الأدبي باختلاف أجناسيته الأدبية ذو طبيعة أنثروبولوجية، إذ لا يمثل معطىً فردياً وإنما يتسع لأبعاد ثقافية واجتماعية ساهمت في تكوينه الرمزي والدلالي، بافتراض أن الكتابة الأنثربولوجية عملية متداخلة من التناصية، والحوارية، والتخييلية.
مضيفة: إن الظواهر الفنية التي شكلت بناء النص الأدبي هي انعكاس لذلك العمق الثقافي عند المبدع الذي تفاعل معه باعتباره نسقاً خارجياً استلهم منه حضور الشخصيات الفاعلة في عملية الكتابة.
ماضية من ثم في مقاربة أنثروبولوجية للنص الشعري الحكائي عند الشاعر السعودي أحمد الصالح مستخلصة الرموز التي شكلت لديه علاقات قصائده الدرامية تحديدًا بالأبعاد الثقافية في عدد منها، مستنطقة الجانب الفكري الإنساني المجتمعي الذي تناوله الشاعر، باعتبار أنه نتاج ثقافي تأثر بحيثياته وتناص معه، مركزة أيضًا على المستوى الدلالي وآليات الكتابة لديه في النصوص المنتقاة للدراسة.
ومن ناحية أخرى اختتم ملتقى قراءة النص دورته الـ16 امس الخميس بستة أوراق شهدتها الجلسة السادسة، التي أدارتها الدكتورة رانية العرضاوي بفندق الدار البيضاء جراند، وقدمت فيها الدكتورة صلوح السريحي ورقة بعنوان “المزيج الأجناسي بين التجاور والتحاور: الأدب التفاعلي أنموذجاً”، مشيرًا في ثناياه إلى أنه قد تتجاور الأجناس – قديمها وحديثها – داخل النص الأدبي الواحد، خالقة بهذا التجاور والتحاور مزيجا أجناسيا متكاملا ومتوافقا. وفي عصرنا الحاضر عصر التقنية والإنترنت وتأثيرهما على عملية الاتصال والتواصل، أسهمت التقنية في التأثير على الإبداع الأدبي إيجابا وسلبا، وتولد من هذا التأثير أنواع وأجناس أدبية متأثرة بالتقنية في الإنتاج والتلقي، ومع هذه الجدة قد تستبطن هذه الأجناس الوليدة في داخلها أنواعا وأجناسا من الأدب القديم أو المعاصر وتتماهى هذه الأجناس لتخلق نسيجا أدبيا متكاملا.
مستجليًا في ورقته كذلك تأثير التقنية على العملية الإبداعية إيجابا وسلبا، وإسهامها في خلق أنواع وأجناس أدبية لم تنبت عن جذورها الأدبية، ولم تنفصل عن عصرها الذي ولدت فيه من خلال أنموذج الأدب التفاعلي.
“سرديات الذهاب والعودة للوطن- تماهي النوع.. تماهي الخطاب: دراسة تطبيقية”، هو عنوان الورقة، التي قدمها الدكتور سحمي الهاجري، مرتئيًا فيها أنه حين النظر إلى دخول الأدب السعودي مرحلة زمنية جديدة في الألفية الثالثة, سيكون لازمًا في الوقت ذاته استصحاب طبيعة اتصال هذه المرحلة بما سبقها من مراحل متتالية, وذلك التراكم المتواصل من التجارب المتنوعة نقداً وإبداعاً. متيقنًا أنه تراكم شمل بطبيعة الحال مختلف أجناس الأدب وقضاياه وحقوله المعرفية والجمالية, وكان السرد بكل أجناسه وأنواعه من أبرز سمات المراحل السابقة والمرحلة الجديدة.
مضيفًا: إن التطور الذي يحدث في الأشكال والبِنى الفنية, يؤشر إلى درجة مقابلة من تطور أنماط التفكير والسلوك في المجتمع إبان حقبة زمنية معينة, وإن استظهار سمات تلك اللحظات الحضارية, يؤثر بشكل حاسم في فهم واستجلاء الأعمال الأدبية المُنتَجة في تلك المرحلة.
وجاءت مشاركة الدكتور أحمد بن حسين عسيري، بورقة حملت عنوان ” أدب الخيال العلمي: المفهوم والتأصيل وموقع المنتج المحلي منه”، مشيرًا إلى أن أدب الخيال العلمي هو في بعض تعريفاته, أدب استشرافـي بالمقام الأول, ويرتبط بالمكتسب العلمي وبموازاة التحولات الاجتماعية, وهذا الأدب في جانبه السردي ينبثق عن النظريات العلمية المتنوعة مثل: الفيزيائية بالترحال المفترض بين الكواكب وغزو المخلوقات الفضائية للأرض, والنظريات البيولوجية أو الإحيائية كالتلاعب بالجينات والهندسة الوراثية بتكوينات خلقية متصورة وعقلية. وبذلك فإن أدب الخيال العلمي يستند إلى جزء من الحقائق العلمية, وليس خيالا محضا.
مبينًا أن معظم المُنتَج في أدب الخيال العلمي بينه عامل مشترك في توظيف المُنجًز العلمي في حبكته السردية ووحدة الموضوع؛ إلا أنه يختلف جذريا فيما يتعلق بالأدوات والمنطلق التخيلي بتقنيات فنية معينة.
اما الدكتور شيمة محمد الشمري فقدت موضوع “التقنيات الشعرية في القصة القصيرة جداً.. من اللغة المرجعية إلى اللغة المراوغة، مسرحًا لبحثها، منوهة إلى أن أهم ما يميز النصوص الإبداعية عموماً، والسردية على وجه الخصوص في الألفية الثالثة هو استجابتها لمفهوم الانفتاح الأجناسي، فباتت التقنيات الفنية ترتحل بين الأنواع الأدبية، فيقترض كل جنس أدبي من الآخر ما يناسبه في سبيل تشكيل الرؤية الفنية التي تبحث عن المختلف والمدهش معتمدة في سبيل ذلك على التجريب والمغامرة، وهذا ما برز واضحاً في جنس أدبي بدأت تمظهراته الفنية والنقدية تتشكّل بشكل واضح وصريح منذ تسعينيات القرن المنصرم.
وفي ضوء ذلك مضت إلى استجلاء التقنيات الشعرية التي استعارتها القصة القصيرة جداً من الشعر من خلال التوقف عند عينات قصصية جديدة لم يتوقف النقد عندها كثيراً، في محاولة لقراءة جماليات هذا التشكّل ولرصد تشظياته المختلفة والمتنوعة وأثرها في إغناء الفعل السردي.
ورصد الدكتور محمد بن راضي الشريف، في ورقته المعنونة بـ” التمظهر التبادلي: القصة القصيرة جداً وقصيدة الهايكو أنموذجاً”، تسارع وتيرة منجز الخطاب الأدبي وتفلّته من الدرس النقدي الذي لا يزال – حسب رأيه – يعتوره شيء من لوثة كلاسيكية تشدّه إلى مراعاة العرف الأدبي حيث الأطر النوعية والتعاطي المدرسي.
ويضيف الشريف: لقد بدأ التجريب الإبداعي في الوطن العربي بل في المملكة مبكرا في كل من فن القصة القصيرة جدًّا وقصيدة الهايكو «اليابانية/ العربية»، وخصوصاً في بدايات القرن العشرين الميلادي، حيث التقى هذان الفنَّانِ فِي بعض الملامح وتنازعتهما تسميات عدّة، لعل من أبرزها «الومضة» التي أطلقت على كلا النمطين؛ فالقصة القصيرة جدًّا فن سردي نَحَا إلى الشعرية بسبب طبيعته الشكلية والمضمونية التي فَرَضَت عليه ذلك. أما قصيدة الهايكو فقد تلبّسها السردُ أيضا بسبب تضاريسها الزمنية والوصفية المباشرة التي رسمت لها في أصولها اليابانية، بالإضافة إلى ما يلاحَظُ فيهما معاً من القصر والتكثيف والومض والإلماح، مما يغري الباحث بتلمس ما بينهما من تداخل إبداعي، يمثل دوماً علامة على أصالة كل فن وتفرده في الوقت نفسه.
وشهدت جلسات اليوم الأخير كذلك مشاركة الباحثة صالحة المالكي بورقة بحثت في “تداخل الأنواع الأدبية في رواية (حالة كذب) لعبدالعزيز الصقعبي”، حيث تتفق مع سابقيها في أن أبرز ملامح تطور الأدب العربي في الألفية الثالثة يتمثل في بروز ظاهر تداخل الأنواع الأدبية، وكسر الحواجز التصنيفية فيما بينها وقد تعددت المصطلحات التي تشير إلى التداخل الذي حصل بين الأنواع الأدبية، ومن هذه المصطلحات: تعدد الخواص، وتداخل الأنواع، والكتابة عبر النوعية. ويمكن اعتبار أن هذا التداخل أصبح أمراً واقعاً وحقيقة ثابتة في الألفية الثالثة، بل إنه تجاوز ذلك ليصبح عند بعض الأدباء غاية يسعون إليها ليتميزوا بها.
وعلى هدى ذلك تمضي في بحثها ملقية بالضوء على ظاهرة تداخل الأدبية، وإبراز هذا التداخل في نص رواية (حالة كذب) لعبدالعزيز الصقعبي، والكشف عن الجمالية التي منحها للرواية. معللة اختيارها لهذه الرواية لكونها أكثر الأجناس الأدبية مقدرة على استيعاب الأنواع الأدبية الأخرى، فأصبحت الرواية العربية شكلاً يمكن أن يتضمن الشعر والأسطورة والقصة.
يذكر أن الشعر قد استحوذ على بحوث الجلسة الثالثة من ملتقى قراءة النص 16