وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ينتقد الحرس الثوري في شريط مسرب
انتشر شريط صوتي مُسرب، ينقد فيه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سيطرة الحرس الثوري على السياسة الخارجية للبلاد، وإدخالها في الحرب الأهلية السورية بأمر من روسيا، حيث عبر الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي عن صدمتهم وذهولهم.
وتؤكد بعض المعلومات التي تم الكشف عنها ما يشتبه به الكثير من الإيرانيين طوال الوقت. والمثير للدهشة أن تلك التصريحات جاءت من ظريف، وهو دبلوماسي متمرس عادة ما يكون حريصا في إبداء رأيه، ومعتدل بالمعايير الإيرانية.
ولم يتضح من الذي سرب الشريط، رغم أنه يأتي في الوقت الذي تستعد إيران لإجراء انتخابات رئاسية وتصل صراعات السلطة الداخلية إلى آفاق جديدة.
وقال ظريف إنه ليس مرشحًا لخلافة الرئيس حسن روحاني، لكن المتشددين لا يثقون به ويريدون القضاء على أي فرصة لحدوث ذلك.
والواضح أن الشريط سيضع أكبر دبلوماسي إيراني في مشكلة كبيرة مع المتشددين والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي له الكلمة الأخيرة في جميع الشؤون الحكومية ويسيطر على الحرس الثوري، أقوى قوة أمنية في البلاد.
وقد وصفت إحدى الصحف بالفعل القصة بأنها “فضيحة”.
من هو محمد جواد ظريف مهندس الاتفاق النووي الإيراني؟
من يسعى للتخلص من جواد ظريف؟
ويبدو أن الشريط الصوتي الذي مدته ثلاث ساعات، والذي وصل إلى بي بي سي ووسائل إخبارية أخرى في الخارج، مأخوذ من مقطع فيديو لمقابلة استمرت سبع ساعات أجريت قبل أكثر من شهرين كجزء من مشروع التاريخ الشفوي الذي يغطي فترتي الرئيس روحاني في المنصب.
وفي الشريط، سُمع ظريف مرتين يقول إنه يعتقد أن تعليقاته لن تُسمع أو تُنشر لسنوات عديدة.
ويشكو الوزير مرارًا وتكرارًا من أن الحرس الثوري جعل الدبلوماسية وسياسة إيران الخارجية خاضعة لاحتياجات ساحة القتال في المنطقة.
ويذكر ظريف على وجه التحديد كيف كان الفريق الراحل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي اغتيل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في العراق في يناير/ كانون الثاني 2020، يأتي للقائه حاملا سلسلة من المطالب.
ويذكر كيف أراده سليماني أن يتخذ مواقف خاصة في اجتماعاته مع وزير الخارجية الروسي، ويقول إن الفريق أدخل إيران فعليًا إلى الحرب في سوريا لأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أراد القوات الإيرانية على الأرض لاستكمال الحملة الجوية الروسية لدعم الحكومة السورية.
كما شكا من أن سليماني استخدم شركة الطيران الوطنية الإيرانية للقيام برحلات عسكرية إلى سوريا، وسط مخاطر كبيرة وتبعات لسمعة البلاد، مؤكداً التقارير التي تفيد باستخدام طائرات مدنية في تهريب الأسلحة ونقل القوات.
وقال ظريف أيضًا إن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فعل كل ما في وسعه لمنع إيران من الموافقة على اتفاق نووي مع ست قوى عالمية، بما في ذلك روسيا، في عام 2015. وزعم أن روسيا لم ترغب أبدًا في رؤية إيران تصلح العلاقات مع الغرب.
وجاءت كلماته مفاجئة. ويُعتقد أن لديه علاقات جيدة مع لافروف وأن روسيا حليف وثيق لإيران. ويأتي التسريب أيضًا في وقت تدخل فيه إيران في محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي، الذي كان على وشك الانهيار منذ أن أعاد الرئيس دونالد ترامب فرض العقوبات في عام 2018 وبدأت إيران في انتهاك التزاماتها.
وقال ظريف إن الحرس الثوري لم يرغب أبدًا في الاتفاق وفعل كل ما في وسعه لوقفه.
ويذكر اختبار صاروخ كُتب عليه بالعبرية “يجب محو إسرائيل من الأرض” واحتجاز 10 بحارة أمريكيين على متن زورقي دورية في الخليج في أوائل عام 2016 كأمثلة على جهودهم لإفشال الاتفاق.
ويشكو ظريف في التسجيل من قيام الحرس الثوري بتهميشه في مناسبات عديدة.
ويذكر الساعات الأولى من يوم 8 يناير/كانون الثاني 2020، عندما هاجمت إيران قاعدة عسكرية عراقية تؤوي القوات الأمريكية بأكثر من عشرة صواريخ باليستية انتقاما لمقتل قاسم سليماني. يقول إنه علم بالهجوم الصاروخي بعد ساعتين فقط من وقوعه.
ويضيف أنه في وقت لاحق من ذلك اليوم، عندما أسقطت وحدة دفاع جوي تابعة للحرس الثوري، عن طريق الخطأ على ما يبدو، طائرة ركاب أوكرانية أقلعت للتو من طهران، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 176 شخصًا، أراد القادة منه فقط نفي مسؤولية إيران.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن تصريحات ظريف في الشريط الصوتي قد تم إخراجها من سياقها وإنها ستنشر المقابلة كاملة إذا لزم الأمر.
وبحسب المتحدث، فإن التسجيل ليس بحوزة وزارة الخارجية وأن حفظه ليس من مسؤولية الوزارة.
من هو محمد جواد ظريف؟
ينحدر محمد جواد ظريف (مواليد طهران، 1960) من أسرة متديّنة وثرية، لها باع طويل في التجارة. أرسلته عائلته في سن المراهقة إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة لأنه كان على وشك أن يُعتقل من قبل سلطات شاه ايران السابق لانتمائه إلى الجمعية الإسلامية الطلابية.
حصل ظريف على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة “دنفر” ثم درس العلاقات الدولية، وهو ملمُ بالثقافة الأمريكية وخبير مفاوضات “ممتاز” مع ما يصفه بـ “الشيطان الأكبر”.
تعرّف على أسرة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني وشخصيات إيرانية مهمة أخرى خلال وجوده في الولايات المتحدة. ويعد ظريف ابن النظام والمدافع عن سياساته منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقاد العديد من المفاوضات مع أوروبا والولايات المتحدة ممثلاُ عن إيران.
تفاجأ كثيرون داخل إيران وخارجها باستقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد أن كتب في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، انستغرام: “أعتذر لكم عن أي تقصير وقصور بدر مني خلال مدة خدمتي، وأشكر الشعب الإيراني والمسؤولين”.
وقال ظريف لاحقاً: “لم يعد هناك أدنى احترام لوجودي في منصب وزير الخارجية”، بسبب نشر الصحافة المحلية لصور مقابلة المرشد الاعلى للثورة في إيران آية الله علي خامنئي و الرئيس السوري بشار الأسد في طهران دون حضوره.