في حوار مطوَّل وكاشف، وضع ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، يده على ملفات شائكة عدة في السعودية؛ إذ لم يجد حرجًا في التحدث بشفافية عن السعودية وقضاياها الملحة.
فمن محاربة التطرف وأسبابه إلى الديمقراطية ونظام الحكم، والعلاقة مع إيران، وتقبُّل الدول للنقد.. دار الحوار مع مجلة «أتلانتيك» حول قضايا شائكة، وتطرق إليها ولي العهد بإجابات واضحة وشافية.
جسر التطرف
منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وهو ينتبه جيدًا لخطر جماعة الإخوان، التي تمثل النواة الأولى للتطرف في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولا يفوت فرصة إلا ويحذر من مغبة توسع نشاطها في أي دولة.
وفي حواره جدَّد التذكير بخطر الإخوان، وقال ردًّا على سؤال حول سبب وجود متطرفين في السعودية نتاج التأثر بفترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي: إن جماعة الإخوان المسلمين تلعب الدور الكبير والضخم في خلق كل هذا التطرف.
ووصفها بأنها “جسر” يؤدي بك إلى التطرف، لافتًا إلى طريقتهم المخادعة في نشر أفكارها قائلاً: “عندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفون، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف”.
وضرب الأمير محمد بن سلمان مثالاً – كدليل على حديثه – بزعيمَي تنظيم القاعدة الإرهابية أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، اللذين كانا من الإخوان المسلمين، إضافة إلى قائد تنظيم داعش أبي بكر البغدادي الذي كان ينتمي للجماعة ذاتها قبل قتله، موضحًا أن جماعة الإخوان وسيلة وعنصر قوي في صنع التطرف على مدى العقود الماضية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها ولي العهد من خطر الإخوان؛ إذ تطرق للقضية في حوار قبل 4 أعوام مع صحيفة “وول ستريت جورنال” على هامش زيارته للولايات المتحدة الأمريكية.
خطوط حمراء مع طهران
They exploit a global postal system incapable of sufficiently screening the materials within details its shipments. And how I would feel if something happened to him or there are many regions in the United States that have limited access to quality healthcare.
ووضع ولي العهد خطوطًا سعودية واضحة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فأكد أن يد السعودية دائمًا ممدودة بالسلام للسلام بما يحقق أمن المنطقة واستقرارها، لكن طهران هي التي تواصل النهج العدائي عبر دعم جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن من جهة، واستهداف ناقلات النفط في الخليج والمنشآت النفطية من جهة أخرى.
وتتزامن كلمات الأمير محمد بن سلمان الواضحة مع اعتراف إيران نفسها بصناعة صاروخ باليستي من الجيل الثالث المتطور، رغم استئنافها مفاوضات فيينا النووية؛ ما يشير إلى أن طهران لا تتعامل بجدية مع القوى الدولية المشاركة بمفاوضات فيينا.
وأمام عدائية إيران أوضح ولي العهد أهمية مطالب السعودية من المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم أمام نظام توسعي يدعم الإرهاب، ويعتدي على ناقلات النفط في الخليج، ويستهدف منشآت نفطية في السعودية، ومواقع مدنية، على رأسها مطار أبها.
كما نبه إلى كل من ينشر القتل والدمار على مر العقود الماضية، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع، منتقدًا توظيف طهران العوائد الاقتصادية للاتفاق النووي في “دعم أعمالها العدائية في المنطقة، ودعم آلة الفوضى والدمار”.
كان الأمير محمد بن سلمان واضحًا وواقفًا على قدمَين ثابتتَين حين تحدث عن أن السعودية لا تريد الحرب، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن السعودية لن تتردد في التعامل مع أي تهديد لشعب وسيادة ومصالح السعودية الحيوية، في رسالة ردع قوية لكل من يستهدف السعودية، وعلى رأسهم إيران.
نظام حكم ثابت
كان الأمير محمد بن سلمان آل سعود واضحًا أيضًا عندما سألته المجلة عن الديمقراطية في السعودية، فأكد أن نظام السعودية معقد، ويتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر.
ودون مواربة أطلق كلمات شفافة واضحة: “أقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف؛ لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ 300 سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءًا من استمرار السعودية دولة ملكية”.
ومضى في حديثه: “من بين أفراد العائلة المالكة هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود، وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر، وانقلابًا عليهم. وكل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية؛ ولهذا فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد”.
دعوة للنقد البنّاء
تدرك حكومات دول العالم أنه عندما يتحدث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ينصت الجميع من حوله، ليس فقط داخل السعودية، بل بمختلف الدول؛ لما يحمله من أفكار جديدة وقضايا مهمة، من شأنها تطوير الحياة العامة في المنطقة برمتها. ولعل آخرها الدعوة التي أطلقها للإعلام السعودي بانتقاد أعمال الحكومة.
دعوة أطلقها ولي العهد، تؤكد أن الدولة السعودية باتت تواكب النظم التي تمتلك عينًا ناقدة لتصحيح المسار، وتعديل الرؤى وتطويرها عبر إعلام يوجِّه النقد البنَّاء الذي يدفع للأمام، ولا يعطل المسيرة. ولعل ما يترجم ذلك إدلاؤه بتصريح مهم حول الإعلام في السعودية؛ إذ قال: “أعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة، خطط الحكومة، أيًّا كان؛ لأن ذلك أمر جيد”.
وبدا واضحًا أن الأمير محمد بن سلمان ينطلق بالسعودية إلى منطقة وأُفق جديدَين سياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا.. فمعنى إعطاء الإعلام السعودي وعناصره مساحة أكبر لانتقاد الحكومة أن هذا الأمر مرحَّب به من أجل البناء؛ والدليل على ذلك ما أضافه قائلاً: “إن الإعلام السعودي يفعل ذلك بطريقة جيدة، ويناقشون عددًا من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل استراتيجية، وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، وهذا أمر جيد”.
كلمات الأمير محمد بن سلمان كانت واضحة أيضًا حين قال: “نحن بحاجة إلى ذلك؛ لأنك بحاجة إلى آراء العديد من الأشخاص. وكذلك بالنسبة لي كولي عهد للمملكة العربية السعودية هذا أمر جيد.. حتى وسائل الإعلام العالمية متى ما كتبت عن المملكة العربية السعودية فإن كانت حقًّا كتابة موضوعية، بدون أي أجندات أو أيديولوجيات، فهذا مفيد للغاية بالنسبة لنا. لقد تعلمنا من بعض الأخطاء من مثل هذا النوع من المقالات والتقارير؛ لذلك فإن هذا أمر جيد؛ نحن بحاجة لذلك”.