هل فتحت تركيا بابا للتطبيع مع إسرائيل؟ بعد أن أدرك أردغان مدى غبائه السياسي !!
تتعرض تركيا لانتقادات واسعة من قبل المعارضين للتطبيع مع الصهاينة بسبب توقيعها الاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني. يقول المنتقدون إن تركيا تفتح بابا جديدا للتطبيع مع الكيان، وهي تشجع الدول العربية والإسلامية على التطبيع أو الاستمرار به بالنسبة للدول المطبعة.
وعلى هذا يخلصون إلى نتيجة مفادها أن تركيا التي قالت إنها مع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تؤدي بهذا الاتفاق خدمة للصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني.
أرى أن في هذا الانتقاد أمرين قد تم إغفالهما وهما:
1- تركيا لم تكن يوما ضد التطبيع مع الصهاينة، ومن المعروف أنها كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني عام 1949 بعد إيران الشاهنشاهية، وبقيت تركيا ثابتة عند هذا الاعتراف وعملت على تطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية والسياحية مع الكيان، وطورت تعاونا في المجالين العسكري والأمني. ولم تتأثر العلاقات إلا منذ ست سنوات بسبب الهجوم الصهيوني على سفينة مرمرة التركية.
2- الفلسطينيون على المستويين الشعبي والرسمي هم أكثرهم تطبيعا مع العدو الصهيوني. وقد لحقت أغلب البلدان العربية بالفلسطينيين وبدأت تقيم علاقات تطبيعية مع هذا العدو. المستوى الرسمي الفلسطيني لا يخجل من إقامة علاقات أمنية مع الصهاينة، ولديه الاستعداد دائما لاعتقال فلسطينيين والتنكيل بهم دفاعا عن الأمن الصهيوني، وإذا كان لمعارضي التطبيع الذين أعتبر نفسي منهم أن يوجهوا سهاما ضد المطبعين فإنه يجب توجيهها نحو السلطة الفلسطينية أولا ونحو البلدان العربية ثانيا.
الحقيقة الموضوعية
ربط العلاقات الجدلية بعضها ببعض يشكل الأساس الأقوى للتوصل إلى النتائج الصحيحة، والكاتب أو السياسي الذي لا يعرف في العلاقات الجدلية أو طريقة ربطها لا يستطيع أن يصل إلى الاستنتاج الصحيح. حقيقة ساطعة أن تركيا عضو في حلف الأطلسي، والحلف مرتبط بطريقة أو بأخرى أمنيا وعسكريا بالكيان الصهيوني، وشئنا أم أبينا ترتبط تركيا بصورة مباشرة وغير مباشرة أمنيا وعسكريا بإسرائيل. الارتباط الأمني والعسكري أقوى بكثير من الارتباط الاقتصادي والسياحي، وليس من السهل فضه. وإذا كان لتركيا أن تفض التزامها الأمني تجاه الصهاينة فإن عليها الخروج من حلف الأطلسي، وما دامت تركيا تحافظ على عضويتها في الأطلسي فهي تحافظ على التزامها الأمني تجاه الصهاينة، وعلينا نحن ألا نفاجأ بتطبيع علاقات بعد ذلك.
والحقيقة الثانية أن تركيا لم تغلق الباب أمام علاقاتها مع الكيان؛ هي أبقت الباب على مدى السنوات السابقة مواربا لكي تبقى فرصة الحوار مع الكيان قائمة. أي أنها لم تدر وجهها بعيدا عن الكيان بل أبقت ناظريها مسلطتين على إمكانية رأب الصدع الذي طرأ. تركيا لم تخرج الكيان من حساباتها، ووضعت شروطا لإعادة العلاقات إلى مجاريها. أي أن الاستعداد لعودة الأمور إلى نصابها بقي قائما.
والحقيقة الأخرى أن علينا ألا نتوقع أن يكون الأتراك أكثر فلسطينية من الفلسطينيين. من يطلب من الآخرين التضحية عليه أن يكون في مقدمة المضحين.
مآزق الأطراف
الأطراف المعنية مباشرة بما جرى بين تركيا والكيان هي غزة وتركيا والكيان، وواضح أن كل طرف يعاني من مآزق خاصة ويأمل أو كان يأمل في أن يتغلب الاتفاق على هذه المآزق:
غزة تعاني من مأزق خطير جدا ألا وهو الحصار الذي يطال مختلف تفاصيل الحياة اليومية والمدنية للشعب الفلسطيني في غزة. غزة في ضائقة شديدة جدا لأنها تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب واللازمة للأعمال اليومية والبيتية، وتفتقر إلى الكهرباء التي لا غنى عنها لكل بيت في العالم.
الموسم صيف والحرارة شديدة في غزة، والناس لا يتمكنون حتى من استعمال المراوح. والضائقة المالية أيضا شديدة بسبب منع انتقال الأموال إلى القطاع، والعالم كله يراقب المصارف ويمنعها من تحويل الأموال. هذا فضلا عن النقص في الوقود ومستلزمات الحياة بصورة عامة. ولهذا كانت تنتظر غزة رفع الحصار الصهيوني لكي يتمكن الناس من التنفس. غزة مخنوقة صهيونيا وعربيا وعلى الأرجح من قبل فلسطينيين يحرضون باستمرار على إبقاء الحصار وتشديده.
أما تركيا فقد حشرت نفسها في زاوية عندما تخلت عن سياسة تصفير المشاكل. تركيا لا تتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانها واستمرت هذه العلاقات بالتدهور منذ بداية الحراك العربي بخاصة في سوريا. هي تعاني من علاقات متوترة مع سوريا والعراق وإيران وروسيا وأرمينيا واليونان، ودول الخليج وفقدت الكثير من تجارتها مع العديد من الدول، وفقدت أعدادا هائلة من السياح خاصة من روسيا ومن الكيان الصهيوني نفسه.
من الواضح أن الرئيس التركي أدرك أخيرا مدى غبائه السياسي مما تسبب في العلاقات المتوترة مع الآخرين، وأدرك أن عليه فتح النوافذ على الآخرين فكان الكيان أولها. وقد تردد أن أردوغان قد اعتذر للرئيس الروسي عن إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا.. استمرار التوتر بالتأكيد يضر بالاقتصاد التركي وسيؤثر على شعبية ومكانة حزب العدالة والتنمية، وعلى نتائج أي انتخابات قادمة.