الخضري: التعايش بين الثقافات المختلفة مطلب هذا العصر، والثمرة الحقيقية في الأبناء
تحدث عن علاقته بغادة السمان والطيب صالح
للتو – هالة نهرا/ لبنان.
د. خالد الخضري كاتب ومستشار إعلامي، مفكر تنورييسعى إلى نشر الوعي بالواقع المستقبليّ استناداً إلىالفكر والعقل.
يقدم الاستشارات الإعلامية والدورات التدريبية، وله العديدمن المحاضرات وأوراق العمل التي شارك بها في مؤتمراتمحلية وعربية ودولية.
صدر له أكثر من ١٧ كتابا في المجال الأدبي الإبداعي، والدراسات البحوث الإعلامية والنفسية، ويحمل شهادةالدكتوراه في علم النفس، كان لنا معه هذا الحوار:
قضية التعايش بين الشعوب المختلفة والأيدلوجيات المتعددة مسألةمطلوبة حاليا في الحياة المدنية التي نعيش وأيضا هي تمثل نضجمجتمعي مهم جدا، يتواكب مع العصر الذي نعيش في النظام العالميالجديد الذي يتطلب أن يكون هناك قدرة عالية على التعايش بين البشركبشر كوننا الآن نعيش في قرية كونية واحدة، ما يجعلنا نفكر بهذهالطريقة، ونتعامل بإنسانية تجاه بعضنا البعض.
وإن الاختلافات العرقية أو المذهبية أو حتى الدينية، ﻻيجب أن تشوهعلاقاتنا اﻹنسانية، حتى نستطيع أن نصبح مواكبين لمعطيات العصرالذي نعيش فيه اليوم ونصبح قادرين على العمل إلى جوار بعضناالبعض من أجل النماء ومن أجل أن نحقق مزيدا من العطاء الخيرلكوكبنا.
إن ما تعانيه البشرية اليوم من عنف ناتج عن التطرف، هو معتمد علىأحادية الفكر، وأحادية التوجه، والرأي الواحد الذي يعتقد أنه علىصواب دائما، والذي يريد للبشر أن تسير على نهجه، بينما إذا ماعرفنا أن عدد سكان العالم اليوم يفوق 7 مليار نسمة، تتعدد أفكارهمومذاهبهم ومعتقداتهم، ندرك حينها أننا ﻻ نمثل شيء أمام كل هذاالكم من الأيديولويجيات المتعددة، وندرك أن كل أيديولوجية من تلكالتعددية تظن أنها على صواب، وتظن أنها تمثل الحق المطلق، في حينأن الحقيقة نسبية، ومن الصعب الجزم بإطلاق أياً من تلك اﻷفكار أوالأيديولوجيات وفرضها أو تعميمها على كل البشر، وتلك سنة الله فيالوجود، قدر الله أن نكون مختلفين، وكوني مسلم فأنا أؤمن بذلك تماماً حيث ورد في القرآن الكريم اﻵية: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119]
وقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35].
وقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” البقرة (62)
كما أباح طعام أهل الكتاب للمسلمين، وطعام المسلمين لأهل الكتاب، وأجاز النكاح من المحصنات من أهل الكتاب؛ إذ يقول: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ” (المائدة أية 5).
وإذا انتقلنا إلى أصدقائنا “الكريستيان” في الديانة المسيحية، نجدفي “إنجيل متى” (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركو لاعنيكمأحسنوا إلى مُبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) (الإصحاح الخامس آية 44). ونجد أيضاً (إن لم تغفروا للناس زلاتهملا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم) (الإصحاح السادس آية 16).
وكلنا يعرف قول السيد المسيح عليه السلام “إذا لطمك أخاك على خدكالأيمن فأدر له خدك الأيسر). كما نجد فى آيات الكتاب المقدس (المجدلله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة).
كل هذه قيم إنسانية رفيعة تحث على التعايش السلمى والصفح عنالناس من أجل أن يسود السلام والمحبة على الأرض.
الكاتب الكولومبي جابرييل ماركيز، الحائز على جائزة نوبل على روايتهالشهيرة: ’’مائة عام من العزلة’’ التي مثلت في وقتها أشهر وأكثرالروايات مبيعاً على مستوى التاريخ البشري من ناحية الكتابة، يمثلشخصية مختلفة ككاتب وروائي، تأثر به أجيال من الكتاب من بعده.
شخصياً ليس لدي كاتب مفضل، إنما تأثرت في بداية تجربتيالكتابية بالكاتبة الشهيرة غادة السمان التي قامت بمراسلتي عبررسالة أرسلتها لي في جريدة “الحياة” العام ٢٠٠١م واعتبرتني ابناً لها في اﻷبجدية، بعد المقابلة التي أجريت معي في القناة الثقافيةالمصرية وذكرت حينها أنني متأثر بها، معتبرة ذلك خطوة جميلة فيتجاوز تابوه يعيشه المجتمع العربي في عدم اعتراف الرجل بالتأثربالمرأة باعتبار – شعور الرجل أن المرأة تابعة له – واعتبرت أن الجيلالجديد من الشباب ـ الذي مثل جيلنا ـ ’’في بداية اﻷلفية الجديدة’’ تجاوز ذلك التابوه، وأنها درجة جيدة من الوعي، ثم حصل بيني وبينهاتواصل، وأصبحت ترسل لي رسائل أدبية في تلغراف من مقر سكنهافي بيروت أو في باريس، أكدت لي أنها ﻻ تجيد التعامل مع التقنيةفي حينها، حيث بدأت وقتها الهواتف المحمولة، وبدأ التعامل معالكمبيوترات مع ظهور الويب سايت، الذين كنت أجيد التعامل معه، وﻻزلت أريد أن اعرف المزيد عن ’’أستاذتي القديرة’’، أو (أمي فياﻷبجدية) كما أحبت أن تطلق تلك الصفة علي، أتمنى أن أطمئن علىصحتها، في هذه المرحلة من حياتها، متمنياً لها طولة العمر.
أضيف أنه فعلاً ظهر تأثري بها في مجموعتي القصصية: ’’امرأة منثلج’’ التي صدرت في العام ١٩٩٩م، وفي مجموعتي النثرية: ’’سيدةالمرايا’’ الصادرة عن دار الحوار في اللاذقية العام ٢٠٠٢م، وقدأهديت لها المجموعتين وفرحت بها كثيراً، وسألتني عن كمية الطباعةلمجموعتي القصصية ’’امرأة من ثلج’’ الصادرة عن نادي الطائفاﻷدبي الثقافي الذي كنت عضواً به، فأخبرتها بأننا طبعنا منها 3 آﻻف نسخة، فتفاجئت من ذلك الخبر، وأكدت لي أن الطبعة الواحدة أواﻷولى ﻻ تزيد عن ألف نسخة، وأنه كان ينبغي علي أن أوزع الكميةإلى 3 طبعات، حيث كانت تطبع من إصداراتها ’’اﻷعمال غيرالكاملة’’ كل طبعة ألف نسخة، وهذا ما قمت بالعمل به بعد ذلك فيإصداراتي التي تلت تلك المجموعة القصصية.
ﻻ أجيد النصائح في هذا الجانب، لكن ما يمكنني قوله أن على الكاتبأن يعيش الشغف، أن يجدد في ذاته تلك الدهشة الجميلة التي تربطنابألقنا بالحياة، فعندما تفقد الدهشة، عندما تفقد القدرة على التعبيرعن معاناتك، الإحساس بمعاناة الناس، القرب منهم، الإحساس بهم، ترجمة كل ذلك عبر كتاباتك، فأنك ستفقد شهوة الكتابة كما عبر عنهاالكاتب الشهير “الطيب صالح” حين عملت معه مقابلة في نهايةالتسعينيات، وقد كان يكتب مقاﻻً اسبوعياً في المجلة، حيث توقف عنتقديم أعمال روائية جديدة، بعد أعماله الشهيرة التي كان على رأسها: ’’موسم الهجرة إلى الشمال’’ و ’’دومة ود حامد’’ وغيرها، سألته: لماذاتوقفت، فأجاب: “فقدت شهوة الكتابة“، وهو بالضبط ما يمكن أنيحصل مع أي كاتب عندما يفقد الدهشة بالحياة، تلك الدهشة التييعيشها طفل مع الحياة وهو يتأمل مشاهدها المختلفة، وهو يحلم، يحلمبأحلامه الكبيرة التي ليس من السهل ترجمتها من قبل أي كاتب، عليناككتاب أن نتعاطى مع أحلامنا في الحياة ومع مشاهداتنا اليومية كمايتطلع أطفالنا لها، عندما أشاهد طفل صغير لم يتجاوز العاشرة منعمره، وهو ينظر للناس وللشوارع من نافذة سيارة، أظل أفكر بماذايحلم هذا الطفل البرئ وبماذا يفكر، لكنني أتألم كثيراً وربما تدمععيناي، عندما أفيق على الواقع المستقبلي الذي سيعيشه هذا الطفلكلما كبر واكتشف حقيقة الحياة بما فيها من ألم سيواجهه، ما يجعلبعضهم يشيخ وهو في سن صغيرة، الله يعين البشر ’’خلق اﻹنسانفي كبد’’.
حبيبتي وملهمتي رفضتني، لأنها كانت شديدة الغيرة من النساءاﻵخريات ـ عندما كن يغازلنني ـ أمامها، وربما من نساء ﻻ يزلن فيذاكرتي، كان بعضهن في نساء خوالد وآخريات ﻻ يزلن عالقات فيالذاكرة، يخالجن الروح، ورحم الله أستاذي القدير الناقد د. عاليالقرشي الذي قال لي بعد صدور المجموعة: هل يعقل أن تختم مسيرتكالكتابية بسيرة أدبية نسائية؟
أجبته: “ﻻ يزال هناك بريق في الثقب اﻷسود سوف يتسع” رحم اللهأستاذي الغالي القرشي رحمة اﻷبرار.
أحلامي اليوم مغايرة كثيراً عما كانت عليه، فقد باتت مرتبطة بابنائيالجميلين: “محمد” أبني اﻷكبر ـ في المرحلة الجامعية، اتمنى أن أراهفي موقع مناسب يليق به قريباً إن شاء الله، ابنتي ’’ليليان’’ القارئةالنهمة، المفكرة الحالمة، والمتميزة دراسيا وأدبا، والتي لديها نصوصقصصية منذ أن كانت في اﻻبتدائية، أتمنى لها أن تحقق طموحها فيأن تصبح طبيبة، وهي اليوم على أبواب المرحلة الجامعة، معاليالوزيرة ابنتي ’’جوانا’’ الوسطى ـ وخير اﻷمور الوسط كما يقال ـ فيالمرحلة المتوسطة، أطلقنا عليها لقب معالي الوزيرة ﻷنها ذات شخصيةإدارية مميزة، والتي سوف أراها يوما ما تتقلد منصبا يليق بطموحها، ثم آخر العنقود المبدعة، المفكرة، رسامة اﻹنيمي ببعديه 2D و 3Dوالتي لديها قناة يوتيوب لهذه التصاميم، هي اليوم رشحت لاختباراتموهبة، واجتازت بتفوق، وكلي ثقة أنها سوف تتميز على مستوىالوطن، وسوف تكون علامة فارقة في مستقبلها المشرق، ونحن اليومنلمس ما توليه الحكومة الرشيدة ـ أعزها الله ـ بالموهبة.
وتحية تقدير لوالدتهم الغالية، المربية الرائعة هيفاء الوادعي، وأسرتهاالكريمة.
لدي مشروع رواية جديدة منذ سنوات، لكنها ﻻ تزال متعثرة كما يقال، وأركز على كتبي البحثية بشكل أكبر، حيث لدي مشروع – نفسي، تاريخي” يتناول جزءا مهماً من التاريخ المرتبط بالرجل والمرأة، وعلاقةالصراع بينهما بعنوان: “الحقد على الرجال“، بدأت في ترتيب فصوله، وفي الكتابة فيه بشكل جيد، وكتب بحثية أخرى تتناول اﻹعلامالنفسي.
أخيرا أشكر المبدعة الكاتبة هالة نهرا.