اخر الاخبارتقارير

«مايكروسوفت».. «بيل جيتس» في مذكراته: كنت طفلًا انعزاليًا يصعب التعامل معه..

«بيل جيتس».. واحد من أهم الشخصيات التى رسمت ملامح عصر التكنولوجيا الحديثة؛ فمن الصعب أن تجد شخصًا فى العالم لم يتعامل مع نظام «ويندوز» أو متصفح «إكسبلورر» الخاص بشركة «مايكروسوفت»، التى أسسها بيل جيتس قبل خمسين عامًا وهو لايزال طالبًا، والتى تطورت بشكل سريع لتصبح اللاعب الرئيسى فى صناعة البرمجيات عالميًا.
بيل جيتس الذى غير صناعة التكنولوجيا فى العالم وهو لايزال شابًا، والملياردير الذى ترك منصبه كرئيس تنفيذى لشركة «مايكروسوفت» ليتفرغ لمؤسسة بيل وميليندا جيتس- من كبرى المؤسسات الخيرية فى العالم- ليصبح من أهم الشخصيات التى تقود المسؤولية المجتمعية فى مجالات الصحة العالمية، والتعليم، والتنمية الاقتصادية، ومكافحة الفقر والأوبئة، أصدر فى الرابع من هذا الشهر الجزء الأول من مذكراته، التى حملت اسم «كود مصدرى: بداياتى»، «Source Code: My Beginnings».
أول مقر لشركة مايكروسوفت
قدم بيل جيتس من قبل ثلاثة كتب عن التكنولوجيا والأوبئة والمناخ، لكنها المرة الأولى التى يتحدث فيها عن حياته الشخصية، وعلى موقعه الإلكترونى، كتب بيل جيتس أنه طوال خمسين عامًا كان فيها تحت الأضواء نادرًا ما تحدث أو كشف تفاصيل عن حياته الشخصية، وربما كان ذلك لأنه بطبعه يميل إلى التركيز على العمل، وأنه رغم حبه للتاريخ لم يقضِ الكثير من الوقت فى النظر إلى تاريخه الخاص.
ويجد بيل جيتس، الذى سيبلغ السبعين فى أكتوبر المقبل، أنه منذ عدة سنوات أصبح لديه وقت للتأمل، خاصة بعد أن شهد التدهور البطىء لحالة والده ووفاته بسبب مرض ألزهايمر، ومن هنا بدأ البحث فى الصور القديمة، والأوراق العائلية، وصناديق التذكارات، والتقارير المدرسية التى احتفظت بها والدته، ونسخ مطبوعة من أكواد الكمبيوتر التى لم يرها منذ عقود لتصبح المرة الأولى التى يبذل فيها جهدًا لمحاولة معرفة كيف تمنحه كل الذكريات التى مرت به نظرة ثاقبة على هويته الحالية.
بيل جيتس مع اسرته
الجزء الأول من المذكرات، التى حملت اسم «كود مصدرى»، والتى سيتبرع بيل جيتس بعائداتها لمنظمة «يونايتد واى»، يتعرض لقصة «جيتس» الشخصية منذ مولده عام ١٩٥٥ ونشأته كطفل، وسنوات مراهقته التى كان يقضى لياليها فى مركز الكمبيوتر فى مدرسته وفى الجامعة، ليبدأ ثورة البرمجيات التى غيرت العالم وينتهى بتأسيس شركة «مايكروسوفت» واتفاقها على توريد نسخة من لغة البرمجة الأساسية لشركة أبل كمبيوتر عام ١٩٧٧، والتى عُرفت باسم «AppleSoft BASIC».
طفولة متمردة
يحكى بيل جيتس فى مذكراته أنه كان الطفل الأوسط لوالدين طموحين: الأم مارى جيتس المعلمة والمشاركة بشكل ملحوظ فى الحياة العامة فى عصر كانت أغلب نساء الطبقة العليا تفضل البقاء فى المنزل، حتى إنها كانت أول امرأة تدير مجلس إدارة جمعية «يونايتد واى أوف أميركا» عام ١٩٨٣، والأب المحامى الذى كان يقضى الكثير من الوقت فى العمل وهو ما منح مساحة كبيرة للجدة «جامى» للبقاء مع الأطفال الثلاثة، وتكون لها مكانة كبيرة لدى بيل جيتس؛ فقد كانت السبب فى تعليمه الكثير من الألعاب والتى ستساعده فى بداية تعلمه البرمجة.
جانب من مذكراته
يصف بيل جيتس نفسه فى المرحلة الابتدائية بأنه كان طفلًا يصعب السيطرة عليه أو التعامل معه، فقد كان يمضى أيامًا دون التحدث، ولا يخرج من غرفته إلا لتناول الوجبات والذهاب إلى المدرسة، ولا يرد على أحد، ولا يقوم بتنظيف غرفته أو التعاون مع أسرته، وكان يجد أن موهبته فى الرياضيات تمنحه الثقة فى أن العالم مكان عقلانى ملىء بالإجابات التى يمكن إيجادها إذا استخدمت العقل؛ لذلك كان يشكك فى أهمية سلطة الكبار حتى تحول إلى «شخص وقح» رغم أنه كان لايزال صغيرًا، ثم أضيفت لهذه الحالة من العصيان درجاته السيئة، التى دفعت والديه إلى إلحاقه بمدرسة خاصة، والتردد على معالج لمساعدته فى التغلب على الطريقة التى يتعامل بها مع الآخرين. ويعترف بيل جيتس بأنه عندما ينظر إلى طفولته الآن يجد أنه فعليًا لم يكن يعانى ليصنع قصة نجاح كما فى حالات أخرى، فهو فعليًا نشأ فى أسرة ميسورة، كما أنه وُلد كذكر أبيض فى وقت كانت فيه «سياتل» لاتزال مقسمة بسبب الفصل العنصرى.
برنامج «BASIC»
يجد بيل جيتس أن الفضل الحقيقى فى حياته يعود إلى كلية دورتموث التى قدم أساتذتها برنامج «BASIC» لتبسيط البرمجة أمام الطلاب غير المتخصصين فى الحوسبة، وهو البرنامج الذى وصل إلى مدرسته «ليك سايد» بعد أربع سنوات من إطلاقه، وكان عمره وقتها ١٣ عامًا، وافتتن «بيل» بجهاز الكمبيوتر ولغة البرمجة، خاصة أنها كانت تستخدم أوامر بسيطة ومفهومة، مثل GOTO وIF وTHEN وRUN، والتى كانت معلقة على أحد الحوائط بجانب الجهاز، بالإضافة إلى تعليمات حول كيفية تسجيل الدخول والمفاتيح التى يجب الضغط عليها عند حدوث خطأ ما.
جانب من مذكراته
ويصف «جيتس» فى كتابه «كود مصدرى» أن اللحظة التى كتب فيها أول أوامر على جهاز الكمبيوتر وظهور الإجابة كانت صدمة بالنسبة له وجعلته يقع فى حب هذا الاختراع، وكانت تجربته الأولى فى تعلم البرمجة وضع خطوات لعبة «أكس أو» والتى أدرك من خلالها أن الكمبيوتر آلة غبية يجب إخبارها بكل خطوة تتخذها، وعندما يكتب كودًا غير دقيق تكون النتيجة عدم قدرة الكمبيوتر على تخمين المقصود، ورغم أن لعبة «أكس أو» بسيطة جدًا لكنه شعر بالانتصار الأول حينما نجح فى جعل الكمبيوتر يؤديها، وكتب: «أحب الطريقة التى أجبرنى بها الكمبيوتر على التفكير، فقد كان لا يرحم فى مواجهة الإهمال العقلى، وهو ما جعلنى متسقًا ومنطقيًا وأهتم بالتفاصيل، فوضع فاصلة أو فاصلة منقوطة فى غير موضعها الصحيح يعطل البرنامج»، ويضيف أن هذه الطريقة فى التفكير تتطلب نهجًا صارمًا فى حل المشكلات يعتمد على تقسيم المشكلات إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة.
ويذكر بيل جيتس فى «كود مصدرى» أن أجهزة الكمبيوتر الكبيرة (Mainframes) كانت مستخدمة فى المدارس والجامعات، وكان الطلاب يدفعون مقابل وقت التشغيل عند استخدامها، ولتجنب زيادة التكلفة عليه كان يكتب أكبر قدر ممكن من البرنامج بالقلم والورقة قبل أن يتصل بالجهاز حتى يقلل من زمن استخدامه، وبالتالى تكلفة التشغيل، ثم يقوم الجهاز بطباعة الأوامر على شريط ورقى بعرض بوصة، وباستخدام الهاتف الموجود بجانب جهاز الكمبيوتر كان يتم الاتصال بالمودم فيقوم بإدخال الشريط وتحميل البرنامج بسرعة تبلغ عشرة أحرف فى الثانية، ثم يبدأ أمر التشغيل «RUN».
ويصف بيل جيتس التعقيدات التى كانت فى هذه العملية، والتى لم تتوقف على التكلفة أو كتابة كود صحيح لكن أيضًا الوقت؛ فقد كان زملاؤه فى المدرسة يصطفون لانتظار دورهم فى استخدام الكمبيوتر، وإذا لم يعمل الكود الذى أدخله بشكل صحيح يكون عليه الخروج والبحث عن الخطأ، ثم الانتظار مرة أخرى حتى يحين دوره فى الصف، ورغم ذلك كان شعوره بتحسن مهارته فى البرمجة يشعل رغبته فى الاستمرار وإثبات نفسه.
كينت إيفانز
فى مذكراته، يذكر بيل جيتس للمرة الأولى اسم كينت إيفانز، صديق طفولته، والشخص الذى يعتبره «جيتس» حليفه الأول فى البرمجة، فقد كانا أصغر الأطفال المهتمين بالبرمجة فى المدرسة، وفى سن السابعة عشرة توفى «إيفانز» فى حادث تسلق جبل. يقول بيل جيتس عن صديقه: «عندما توفى كينت لم أعد أعرف من أجلس بجانبه وقت الغداء، لقد كان أفضل أصدقائى، وكنا نقضى ساعات فى كتابة تعليمات البرمجة، ونقرأ عن سير المشاهير من رجال الأعمال ونتساءل: كيف سيكون الحال لو كان لدينا ١٥ مليون دولار؟ كنا نقرأ مجلة (فورتشن) للحصول على نصائح حول كيفية تحقيق النجاح، (إيفانز) الذى ساعدنى فى تحديد الاتجاه الذى أريده رحل فجأة وأصبحت فجأة بمفردى. مازلت أحفظ رقمه وأتذكر اللحظة التى اتصل بها مدير المدرسة ليخبرنى أنه توفى؛ قال إنه وقع حادث، وإن فريق البحث والإنقاذ نقله بطائرة هليكوبتر إلى المستشفى. انتظرت أن يخبرنى متى يمكننى زيارته لكنه قال إنه لم ينجُ وتوفى».
يضيف بيل جيتس أنه فى حفل تأبين صديقه، وكان وقتها عمره ١٦ عامًا، جلس على سلم الكنيسة يبكى وهو يأسف أنه لم يكن لديه صورة لـ«كينت»، وأنه كان سيفرح عندما يعلم أن اسمه أصبح فى قائمة «فوربس» للأثرياء.
هارفارد
التحق بيل جيتس بجامعة هارفارد ودرس الرياضيات وعلوم الحاسب، وفى مذكراته يحكى أنه كان يتسلل من نافذة غرفة نومه للبرمجة طوال الليل فى مختبر الكمبيوتر، وأنه كان يستطيع الاستيقاظ لمدة ٣٦ ساعة متواصلة، وفى الوقت الذى اعتبر أصدقاؤه تصرفاته متطرفة، كان هو يجدها أمورًا بديهية بالنسبة لشخص يريد الجمع بين الدراسة وإشباع شغفه فى دراسة البرمجة، وأن أسلوبه فى العمل والتفانى طوال الوقت هو السبب الذى جعله يصر فى وقت لاحق على تقسيم ملكية «مايكروسوفت» مع شريكه وزميل دراسته، بول ألين، بنسبة ٦٤٪ إلى ٣٦٪؛ ففى ديسمبر ١٩٧٤ كان لدى الصديقين قناعة بأن البرمجيات ستغير شكل العالم، ويكتب بيل جيتس أنه عندما اقتحم «بول» غرفته فى السكن الجامعى وهو يحمل عدد مجلة «Popular Electronics» التى كتبت أن شركة «MITS» بحاجة إلى لغة برمجة لحاسوبها الجديد (Altair ٨٨٠٠)، قررا أن اللحظة قد حانت لتأسيس شركتهما الخاصة، والتى اختار «ألين» أن يكون اسمها «مايكروسوفت»، وأن مهمتهما ستكون تطوير نسخة من لغة «BASIC»، وهو نفس الوقت الذى اتخذ فيه بيل جيتس قراره بترك الدراسة فى «هارفارد» والتفرغ للبرمجة، وكان وقتها فى العشرين من عمره، بينما «ألين» فى الثالثة والعشرين. يقول «جيتس»: «كان بول ألين مفكرًا، وذكاؤه مختلفًا؛ فإذا كتب شخص شيئًا على السبورة، كنت أعرف عادة ما إذا كان خاطئًا من اللحظة الأولى، أما بول فلم يكن كذلك؛ فقد كان يقرأ ويتأمل بذكاء هادئ، وكان مهتمًا بموسيقى الروك أند رول، ويعزف على الجيتار، وكانت نقطة خلافنا أنه يعمل أقل منى، وكنت أتصل به فى الصباح لأعرف لماذا لا يتواجد فى الشركة؛ ولذلك كان من المنطقى امتلاكى أغلبية الأسهم فى الشركة عندما أسسناها لأول مرة».
تأييد «كامالا» وعلاقة مع «ترامب»
فى حواره مع صحيفة «التايمز» للترويج للمذكرات، قال بيل جيتس إنه قدم الجزء الأول من مذكراته وهو ملتزم بتقديم جزءين تاليين، مشيرًا إلى أن طفولته كانت سهلة، فهو لم يكن يتيمًا مثل ستيف جوبز، ولا عانى ماديًا، فقد كانت أسرته ثرية لكنه كان طفلًا صعبًا، وفى مرحلة ما كانت درجاته سيئة جدًا ويرفض التعامل الاجتماعى، ويقول إنه لو نشأ اليوم، فربما كان يتم تشخيص حالته بأنه «من مرضى طيف التوحد»، لكننى فى الواقع لم أكن أستطيع التركيز إلا عند شعورى بالفضول ومهاراتى الاجتماعية بطيئة مقارنة بأقرانى.
كما تحدث بيل جيتس، الذى يحتل المركز ١٢ كأغنى شخص فى العالم بثروة شخصية تزيد على ١٠٠ مليار دولار، وفقًا لمجلة «فوربس»، عن التعهد بالكثير من أرباحه لجمعيته الخيرية، وقال إنه يأمل أن يقتنع كل من يكسب ثروة هائلة بفكرة العطاء بدلاً من استخدام أرباحه لنفسه أو للتأثير على الأحداث. وحول رؤيته للوضع السياسى فى الولايات المتحدة، خاصة بعد ما تردد حول تبرعه لحملة كامالا هاريس، ثم تناوله العشاء فى ديسمبر الماضى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الرغم من أنه كان على النقيض من جيل جديد من مليارديرات التكنولوجيا، لم ينضم إلى حركة «فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، قال إنه بالفعل تناول العشاء لمدة ثلاث ساعات مع «ترامب»، وتحدث معه عن فيروس نقص المناعة البشرية وأهمية الابتكار للحصول على علاج، وشلل الأطفال والطاقة النووية، وضرورة تمويل هذه المجالات التنموية؛ لذلك كان من الضرورى الجلوس مع الرئيس الأمريكى «ترامب» الذى يعتبر «الشخص الأكثر نفوذًا فى العالم، وقراره بشأن ما إذا كان عليه أن يفكر فى تغيير تمويل مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية وحده، من شأنه أن يجعل الرحلة تستحق العناء، أو أن يشجع باكستان وأفغانستان على التعامل بجدية مع قضية القضاء على شلل الأطفال». وأضاف، خلال المقابلة، أنه وصف روبرت ف كينيدى جونيور، المرشح لمنصب وزير الصحة، بقاتل الأطفال، بسبب إيمانه بأهمية اللقاحات، وهو يجد أن العالم ليس منطقيًا الآن وعليه أن يتقبل أنه قد يتم التعامل معه باعتباره المسيح الدجال فقط؛ لأنه يحاول المساعدة، فهناك «أشخاص أغبياء بما يكفى لتصديق ذلك».
كما تطرق إلى زواجه، الذى دام ٢٧ عامًا من ميليندا فرينش جيتس، وانتهى عام ٢٠٢١ بعد أن تقدمت بطلب الطلاق، وتسربت تقارير عن علاقاته خارج الزواج، ولقائه بدءًا من عام ٢٠١١ عدة مرات بالمتهم بجرائم الاستغلال الجنسى جيفرى إبستين، وأوضح «جيتس» أنه وافق على مقابلة «إبستين» لمناقشة الأعمال الخيرية، وأنه نادم على ذلك، كما أن انهيار زواجه «كان الخطأ الذى أندم عليه أكثر من أى شىء آخر».
رغم الإنجازات التى حققها بيل جيتس، لكن ذلك لم يمنع من ظهور المشاعر المعادية له ولـ«مايكروسوفت» فى بداية الألفية، والتى عبر عنها فيلم «ضد الاحتكار» (Antitrust) عام ٢٠٠١، والذى يدور حول رئيس تنفيذى لشركة تكنولوجيا يقتل الناس فى سعيه إلى الهيمنة على العالم. وقد أكد النقاد أن تلميحات الفيلم تشير إلى بيل جيتس، إلا أن ذلك الغضب يبدو أنه انتهى مع ظهور عمالقة جدد فى وادى السيليكون، والذين يسعون إلى الجمع بين الثروة والنفوذ السياسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى