فيما يخص نسب تملك المواطنين للسكن
قبل استكمال الإجابة عن السؤالين الأخيرين المطروحين في المقال الأخير: انكشف “المستور” في السوق العقارية؛ 2) ما أهم النتائج والتغيرات التي حدثت على السطح؟ 3) ما المتوقع أن يحدث في المستقبل؟ أستأذن القارئ الكريم للحديث عن التطور الأخير والأبرز على مستوى سوق الإسكان، ممثلا في إعلان وزارة الإسكان عن البيانات التفصيلية لأعداد المستحقين للدعم السكني، بلغ عددهم 620889 من إجمالي عدد المتقدمين البالغ عددهم 960397 من مناطق المملكة كافة، الخاصة بفترة شهرين فقط من 6 جمادى الآخرة إلى 6 رجب من العام الهجري الجاري.
بداية، يمثل إعلان وزارة الإسكان خطوة متقدمة بالغة الأهمية في طريق حل الأزمة الإسكانية، ويؤمل أن تؤتي بقية خطواتها أكلها المرتقب، خاصة أن نسبة المستحقين البالغة 65 في المائة من إجمالي المتقدمين، تعد كنتيجة ابتدائية جيدة جدا، بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى استبعاد 339508 متقدمين، وما اعتراها من انتقادات كثيرة حسب كل حالة منها، ولعل الوزارة تأخذ تلك الانتقادات في محل الاعتبار، وإعادة دراستها للمعايير المحددة لاستحقاقات المتقدمين، لعل من أهمها: ضرورة الفصل بين ما تمتلكه الزوجة أو أحد الأبناء والزوج “المتقدم بالطلب”، خاصة إذا ثبت لدى الوزارة أن مصدر تملك الابن أو الزوجة للأصل العقاري لم يكن منقولا من الزوج! أيضا بخصوص “تعليق” صاحب طلب قرض صندوق التنمية العقارية من تاريخ 23 رجب 1432هـ وما بعده، كان أولى انتقال طلبه إلى الخيار المناسب ضمن الخيارات التي وضعتها الوزارة وفقا للآلية الجديدة للتقديم، لا أن يتم تعطيله بهذه الصورة، وإعلام المتقدمين باستكمال الشروط اللازمة، قياسا على توافر الوسائل الإلكترونية المتقدمة لدى الوزارة. والأمر كذلك بالنسبة لمن ارتبطت أسباب استبعاد طلباتهم بوجود أسمائهم على فواتير كهرباء مساكنهم المستأجرة في الأصل، أو من وُجد لديه رخصة بناء ولم يستطع الاستفادة منها للتحديات الراهنة المعلومة لدى الوزارة أكثر من غيرها! كل تلك الحالات وغيرها مما تدعو الضرورة لمراجعته والاهتمام به من قبل وزارة الإسكان، وأن تطرح البدائل التي تسهل على المتقدمين لا أن تعسرها عليهم!
في المجمل؛ تستحق وزارة الإسكان كل الشكر والتقدير لجهودها الأخيرة تلك، والمأمول أن يكلل ما سيأتي من جهود وعدت بها بالتوفيق والنجاح، وأن تستحث الخطى في تنفيذ ما سبق أن وعدت به على لسان وزيرها: بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، وفرض رسوم إضافية أخرى على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، ونزع ملكية الأراضي من ملاكها إذا تأخروا في إعمارها، فهذه الإجراءات سيكون لها أثر أقوى على تصحيح الأسعار المتضخمة في السوق، وتحققها سيسهل كثيرا من عمل الوزارة، ويسرع بظهور النتائج الإيجابية المرتقبة من كل ما تعمل عليه من جهود تستهدف تنظيم وتطوير سوق الإسكان المحلية.
السؤال الأهم المطروح في الوقت الراهن؛ ما الأثر الذي سيحدثه الإعلان الأخير على مستوى الأسعار؟ قد يكون مبكرا الجزم بأثره في الأجل القصير، غير أنه في دائرة التوقعات بالنسبة لسوق الإسكان، سيُحدث أثرا في الأجل المتوسط والبعيد؛ وتحديدا للخيارات التالية: الوحدات السكنية، قطعة الأرض والقرض، قطعة الأرض، وسيظهر أثره الملموس مع استكمال بقية الخطوات القادمة المزمع القيام بها من قبل الوزارة.
يمكن القول؛ في ضوء أقل من عام قادم، المتوقع خلاله استكمال تنفيذ بقية مهام الإعلان الأخير، إضافة إلى ما ستعلن عنه وزارة الإسكان حول الرسوم والغرامات المرتقبة، وتوقع خروج أكثر من 620 ألف مستفيد “مستأجر” من مساكنهم المستأجرة الراهنة، سيؤدي بدوره إلى زيادة المساكن الشاغرة بصورة كبيرة، وسيسهم في زيادة المعروض من المساكن المهيأة للتأجير، عدا ما يتم العمل على تشييده في الوقت الراهن المقدر تجاوزه 400 ألف وحدة سكنية جديدة (زادت الوحدات السكنية لعامي 2012 و2013 بنحو 310.5 ألف وحدة و337.5 ألف وحدة على التوالي، بمجموع ناهز الـ 648 ألف وحدة سكنية)، وبتوفير الشبكة الإلكترونية لخدمات الإيجار للمعلومات اللازمة حول العروض والأسعار، يمكن توقع تراجع تكلفة الإيجارات بنسب متفاوتة حسب المواقع ونسبة الطلب عليها، سينتقل أثر تراجعها بنفس النسبة والقدر أو أكثر إلى أثمان العقارات. مثال على ذلك؛ قياسا على العائد السنوي للإيجارات الذي يتراوح بين 8 و 10 في المائة من القيمة السوقية للعقار، نفترض وجود فيلا في مدينة الرياض، يبلغ تكلفة إيجارها 120 ألف ريال سنويا (تبلغ القيمة السوقية للعقار 1.5 مليون ريال إذا كان العائد السنوي 8 في المائة، ونحو 1.2 مليون ريال إذا كان العائد السنوي 10 في المائة)، في حال تراجع إيجار الفيلا مع زيادة المعروض من المساكن الشاغرة إلى 90 ألف ريال سنويا (نسبة انخفاض 25 في المائة)، فإن التقييم السوقي لتلك الفيلا سينخفض بنسبة تتراوح بين 25 و 40 في المائة لما بين 1.12 مليون ريال إلى 900 ألف ريال. كما سيمتد الانخفاض إلى أثمان الأراضي، فمع التراجع المتوقع بأثمان المساكن، وسيكون التراجع بنسبةٍ أكبر من نسبة تراجع العقارات، ذلك أن مرونة التقييم للأرض أكبر من العقارات المطورة، سواء في حالات ارتفاع الأسعار أو انخفاضها. ورغم كل هذا؛ لا يمكن إغفال العامل الأهم ممثلا في ضرورة فرض الرسوم والغرامات التي سبق أن أعلن عنها وزير الإسكان، إضافة إلى بدء التطبيق الفعلي لتحصيل الزكاة على العقارات المدرة للدخل، جميعها ستلعب دورا بالغ الأهمية في طريق تصحيح مستويات الأسعار المتضخمة جدا للأراضي والعقارات.
أخيرا؛ أظهرت البيانات التفصيلية لمستحقي الدعم السكني، تناقضات كبيرة جدا مع ما سبق أن نشرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات فيما يخص نسب تملك المواطنين لمساكنهم، كشفته المقارنة بين حصة المستحقين للدعم السكني في منطقتي جازان والباحة تحديدا، وأعداد الأسر التي لا تمتلك مساكنها في المنطقتين! فبإسقاط نسب الأسر المستأجرة في 2010 على أعداد الأسر في 2013، يتبين أن “نسبة” أعداد المستحقين “أرباب أسر” وفقا لمعايير وزارة الإسكان إلى أعدادها وفقا لبيانات مصلحة الإحصاءات، جاءت بالنسبة لمنطقتي جازان والباحة بنحو 217 في المائة و108 في المائة! أي أن أعداد المستحقين في كلتا المنطقتين أكبر من أعداد الأسر المستأجرة فيهما! مثل هذا التناقض والتضارب المفجعين، يبعث دون أدنى شك على عدم الثقة في كل ما صدر عن نسب تملك المواطنين لمساكنهم. وعليه؛ نطرح السؤال التالي: هل من تفسير لدى وزارة الاقتصاد والتخطيط ومصلحة الإحصاءات لهذا التناقض؟ والله ولي التوفيق.